رموز الاصلاح البطيء في السلطة بعد هجمة غربية بعنوان الاصلاح 'السريع'

اخبار البلد-لا احد في عمان اليوم لديه تصور محدد عن ماهية الذرائع والحجج التي ستستخدمها الحكومة الاردنية الطازجة في التصدي لنغمة الاصلاح عالية الصوت القادمة من واشنطن والغرب بعدما تشكلت الوزارة من شخصيات بطيئة ومرتابة جدا وعلنا بخطاب الاصلاح ونوايا الاصلاحيين والمجتمع المدني.

ولا احد بالمقابل يستطيع تحديد مصير برنامج الاصلاح الاقتصادي المستمر منذ عشر سنوات بعد انكشاف عدم وجود مطبخ اقتصادي مقنع وحقيقي في وزارة البخيت واقتصاره على وزيرين وظيفتهما الموازنة المالية وسيتصرفان على الارجح بنفس روح العمل التي حكمتهما في الوزارة الراحلة برئاسة سمير الرفاعي.
ومن مفارقات الحالة الاردنية المغرقة بالغرابة ان وزيري التخطيط والمالية جعفر حسان ومحمد ابو حمور احتفظا بموقعيهما رغم تشكيل وزارة جديدة على انقاض وزارة اسقطت بسبب حراك اجتماعي عنوانه السياسات المالية والاقتصادية.
ذلك لا يعني الا ان حكومة الرفاعي تم اسقاطها سياسيا مجانا او لاسباب لا علاقة لها بالمسألة المالية لان الفريق الاقتصادي في الحكومة التي ورثتها هو نفسه ويضم حصريا رأسين هندسا الى حد ما المساعدات والسياسات المالية للدولة. وسلسلة المفارقات لا تقف عند هذه الحدود فخطاب التكليف الملكي لحكومة معروف البخيت ركز كثيرا على الاصلاح السياسي واتخاذ خطوات جذرية وسريعة، فيما ضمت تشكيلة الطاقم اربعة وزراء يفترض ان يلعبوا دور'المطبخ السياسي' للحكومة وهم جميعا من الدعاة العلنيين للاصلاح البطيء والمتدرج والمحلي والذي لا يقود في النهاية لتحول ديمقراطي حقيقي.
وتدليلا على ان الاصلاح بنسخته السياسية ليس اولوية حقيقية في الترتيب الجديد للوزراء تم ربط وزارة التنمية السياسية التي شكلت اصلا لكي تعمل على ملف الاصلاح السياسي بوزارة اخرى خدمية هي وزارة تطوير القطاع العام وكلف بالحقيبتين المدير السابق لديوان التوظيف المركزي. وذلك لا يعني في الواقع الا ان التشتت الذي تؤسسة تركيبة الطاقم المبتكرة على اساس الجغرافيا والمحاصصة المناطقية يقود المحللين الى انطباع بأن الاصلاح بشقيه الاقتصادي والسياسي ليس اولوية حقيقية بالنسبة لحكومة البخيت، وعليه فالسؤال الذي يدور بين الجميع نخبويا الآن.. اذا ما هي الاولوية؟.
بطبيعة الحال لا يمكن توفير اجابة على سؤال غامض بعد 24 ساعة فقط على تشكيل الوزارة لكن الوسط السياسي غرق في التأويلات والتكهنات التي تدلل على صياغة بوصلة وحلقة الاتجاه عموما في البلاد فحتى تقديم احتواء حراك الشارع التقليدي في لائحة الاولويات مسألة لا تحظى بالاجماع.
والسبب بسيط حيث لا تتأطر القوى الشابة في هذا الحراك كما يحصل في مصر، ويقتصر على شخصيات الثقل العشائري والمتقاعدين، بينما اسقط التشكيل الوزاري المؤلف من عجائز في الجهاز البيروقراطي عنصر الشباب من كل حساباته. وهنا يكمن الخطأ البصري الابرز في الحساب وفقا لسياسي رفيع المستوى شخص الامر مع 'القدس العربي' فتجميد عملية الاصلاح الاقتصادي عند حدود المسألة المالية فقط ومع غياب المساعدات والاستثمارات يعني تقلص النمو الاقتصادي وهذا التقلص يعني ان لا يعمل القطاع الخاص وبالتالي تتكدس افواج اضافية من العاطلين الشبان عن العمل الذين قد يلجأوون لخيارات الاعتراض والحراك في الوقت الذي ينشغل فيه عواجيز وزارة البخيت بمحاورة وملاعبة ومناورة المؤثرين في الحراك الاجتماعي الاخير.
بالتوازي تمت الاستعانة فقط بشخصيات اعلامية وسياسية معارضة للاصلاح السريع والجذري ومرتابة بكل مشاريع الاصلاح وتوجهاته ولهدف تكتيكي امني صغير هو عبور توقيت الازمة المصرية الحالية بأقل ضرر محتمل مع الحلفاء التقليديين للحكومة والدولة.
وذلك لا يعني الا الفشل تماما في مخاطبة موجة الخطاب الاصلاحي المتسارع التي فرضت نفسها على المنطقة بعد المشهد المصري الاخير، الامر الذي يبشر بصدام حتمي ومتسارع ايضا مع سلة المساعدات والمؤسسات الامريكية.
السؤال يبقى اذا كالتالي: كم من الكلفة ستدفعها البلاد والتجربة وعناصر الاستقرار الاجتماعي الى ان تتضح الرؤية التي تؤكد بان الحسابات المرحلية الاخيرة كانت مسترسلة في الاخطاء وراكمتها كما تؤكد بان الامن ليس وحده دائما اساس الحكم واستقرار النظام؟