الضفة الفلسطينية وليست الضفة الغربية


اتصل بي مواطن إسرائيلي يهودي يسكن تل أبيب، مشيراً لفحوى إحدى مقالاتي المنشورة في "الأيام"، وهو يتحدث العربية بطلاقة، وكان يعتقد أنني فلسطيني مقيم في الضفة الغربية، فأجبته أنني لست فلسطينياً بالمعنى القانوني والجغرافي، بل أنا مثل يهود العالم، فهم يهود ولكنهم ليسوا إسرائيليين من حيث الإقامة والمواطنة والجنسية، وأنا مثلهم أو رديف لهم، فلسطيني بالولاء والدعم والنضال من أجل استعادة كامل حقوق شعبنا العربي الفلسطيني الثلاثة: 1- حقهم في المساواة في مناطق 48، و2 - حقهم في الاستقلال في مناطق 67، و 3- حق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم المصادرة، ولكنني مواطن أردني، مقيم في الأردن ولادة وحياة وشراكة وولاء، ومن موقعي، كمواطن أردني، أقوم بواجبي لخدمة الشعب العربي الفلسطيني ودعمه والانحياز له، مثل اليهود غير الإسرائيليين الذين يدعمون إسرائيل، رغم أنني انحدر من أسرة فلسطينية، مطرودة من مدينة اللد، ومنزل عائلتنا ما زال قائماً، وشاهد على أصولنا ومنبتنا، وأنا شخصياً لن أحيد عنه ولن أتنازل وسأعمل على استرداده بكل الوسائل القانونية والسياسية، حتى ولو تم التوصل إلى اتفاقية نهائية بين منظمة التحرير وحكومة تل أبيب، فهذا حقي ومعيب أن أتنازل عنه عنوة، وسأستعيده كما استعاد اليهود ممتلكاتهم في ألمانيا وروسيا وبولندا وباقي الدول الاشتراكية سابقاً.
وحينما تداول النقاش بيننا، منذ بدايته، حينما قال لي اعتقدت أنك فلسطيني تقيم في الضفة الغربية، قلت له مباشرة: إذا رغبت في مواصلة الحديث والحوار، فأرجو تسميتها كما هي في الواقع والحياة والسياسة، اسمها الضفة الفلسطينية وليست الضفة الغربية، فالضفة الغربية تعني أنها جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، وهي لم تعد كذلك، بعد قرار المجلس الوطني الفلسطيني العام 1974، وقرار قمة الرباط 1974، وقرار فك الارتباط 1988، والاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، أوسلو، ووثيقة الاعتراف المتبادل 1993، وتتويجاً لهذا كله، قبولها كجزء من فلسطين، عضواً مراقباً لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/2012، بصفتها دولة، غير مكتملة السيادة، وواقعة تحت الاحتلال الأجنبي، فقال لي: إن الجزء الأكبر من عملي هو مع الفلسطينيين في رام الله وغيرها، ولم أسمع منهم أن اسمها الضفة الفلسطينية، ولم يحتج واحد منهم أمامي على تسميتي لها أنها الضفة الغربية، بل أسمعهم هم يطلقون عليها اسم الضفة الغربية، ولأول مرة في حياتي أسمع اسمها منك أنها "الضفة الفلسطينية" ولكنني سأحترم اسمها منك ولن أنطق مرة أخرى باسم "الضفة الغربية" بل سأردد اسمها كما تقول أنت أنها "الضفة الفلسطينية"، بعد أن ذكرتني أن لها رئيساً منتخباً ومجلساً تشريعياً، وجواز سفر فلسطينيا صادرا بموجب وثيقة الاعتراف المتبادل.
حواري مع "آفي" وهذا اسمه، يفتح النقاش الداخلي حول الأسماء والمسميات، حيث نستسهل على أنفسنا سرد الأسماء المتداولة كما تطلقها الأوساط الإسرائيلية أو الأعلام الدولي وغالباً ما تسيطر عليه أوساط يهودية، أو صحافيون يهود، فيطلقون على مناطقنا مفردات تنسجم والمعايير الصهيونية البديلة لتاريخنا وحقوقنا، وأتحدى أي فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي، خلال نقاشه مع يهودي أن يسلم بكلمة فلسطين، بل يقوم بعملية تصحيح للكلمة بقوله "إسرائيل" وكذلك مصطلح "الشرق الأوسط" بديلاً لكلمة "العالم العربي"، و"الخليج الفارسي" بديلاً لكلمة الخليج العربي، وهكذا عشرات المفردات وخاصة التسميات الجديدة العبرية لأسماء المدن والقرى العربية الفلسطينية.
ليست سياسة التمسك بالأسماء سياسة ساذجة أو سطحية أو شكلية، ولكنها تعبير عن فهم وواقع وسياسة، ولهذا يجب أن نتحلى باليقظة والوعي والإصرار على تسمية المواقع والأماكن بمفرداتها كما نفهم نحن، وكما نسعى نحن لأن تبقى وأن تكون، لا أن يمرروا مفرداتهم علينا، وهي ليست بريئة بل تحمل مضموناً ومعنى، تعبيراً عن الصراع القائم بين سياستين وروايتين وفهمين، وصراعاً بين شعبين وحركتين، الحركة الاستعمارية التوسعية الإسرائيلية الصهيونية، والحركة الوطنية الفلسطينية.
h.faraneh@yahoo.com