أخطر ما ورد في تقرير مركز الابحاث الامريكية عن الشرق الاوسط
دب النشاط في معظم مراكز الابحاث على خلفية اعلان وزير الخارجية قيامه بجولة في دول المنطقة العربية والاقليم، وتناولتها من زاوية آفاقها المرتقبة على مجمل العلاقة الاميركية مع المنطقة.
سيستعرض قسم التحليل خفايا الزيارة ومحطاتها والرسائل المراد اصدارها في كل منها، على ضوء العقبات التي يتعرض لها الرئيس اوباما على الصعيد الداخلي، والفضائح المتلاحقة للتجسس الاميركي على الشعوب والدول الاخرى. ويلوي التحليل على معالجة طموح الرئيس اوباما من منظار عدم ايلائه الاولوية للسياسة الخارجية، واضطراره للاستدارة لمعالجة الملفات الداخلية والمحافظة على ارثه وحضوره السياسي. على ضوء ذلك، فان جولة جون كيري، وما سيتبعها من جولات مقبلة قريبة، لا تعدو سوى ايهام الاخرين باهتمام الادارة الاميركية لمصالحهم ومصادر القلق دون تقديم خطوات حقيقية ملموسة.
ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث
سورية
اعرب صندوق جيرمان مارشال عن قلقه لسياسات الدول الغربية "التي تجلب الضرر لقوى المعارضة السورية،” نظرا لترددها في اتخاذ خطوات فاعلة. وقال ان النتيجة جاءت لتصب في صالح القوى الجهادية والمتطرفة، "والتي تجلت في الاشتباكات الكثيفة بينها وبين الجيش الحر” في فصل الصيف. وحمل الحكومة الاميركية مسؤولية عدم معاقبة الحكومة السورية "لاستخدام الاسلحة الكيميائية .. مما الحق ضربة مدمرة بصدقية قوات الائتلاف والجيش الحر على السواء.”
مصر
روج معهد كاتو لوصفة صندوق النقد الدولي الاقتصادية حاثا الحكومة المصرية على "وقف دعمها للسلع الاساسية من غذاء ووقود .. واستبدال اثمانها بتحويلات مالية من شأنها تحقيق قدر هام من التوفير للموارد الشحيحة ..” واضاف انه يتعين على الحكومة المصرية تبني "سياسات الاقتصاد الكلي، تتضمن تقليص معدلات التضخم .. والحد من التداعيات المرتقبة لارتفاع اسعار الغذاء والوقود على الشرائح الاجتماعية الفقيرة.”
الصيغة المستقبلية للدستور المصري كانت محطة اهتمام معهد كارنيغي، معربا عن اعتقاده ان القرار الحاسم هو "بيد عنصر غير عضو في لجنة الصياغة،” في اشارة الى الفريق عبد الفتاح السيسي. واوضح ان الصيغة المقبلة كيفما جاءت من شأنها "اعادة الهيبة وتعزيز منصب الرئاسة الذي هيمن على مصر منذ الغاء النظام الملكي.” وحث المعهد الفريق السيسي على عدم الترشح لمنصب الرئاسة "لضمان استمرار عمل اجهزة الدولة المصرية باسلوب اللامركزية ..”
حذر معهد هدسون وزير الخارجية جون كيري من ان توجهه الراهن نحو مصر "هو في الوجهة الخطأ،” نظرا لدرجة "عدم الاكتراث الفائقة عند الفريق السيسي وتمزيقه اركان الدولة واقصاء ملايين الغاضبين المصريين الذين انتخبوا (محمد) مرسي .. مستندا الى التفويض الشعبي لاستئصال تنظيم الاخوان.” ولفت النظر الى تجاهل ادارة الرئيس اوباما "لحقيقة ان التظاهرات الشعبية العارمة في مصر .. جاءت بمشاركة واسعة معادية لاميركا بل الاخطر انها معادية لاسرائيل.”
العراق
حثت مؤسسة هاريتاج صناع القرار الاميركي استغلال فرصة زيارة رئيس الوزراء العراقي "لتحقيق درجة عالية من التفاهم والتعاون المشترك بين البلدين لمكافحة الارهاب.” وطالبت الرئيس اوباما الضغط على نوري المالكي لبذل جهود اكبر "لاحتواء التوترات المذهبية وعزل المتطرفين في العراق والاقليم. الامر الذي يقتضي ابتعاد حكومة المالكي عن انظمة ايران وسورية .. والا فالعراق مقبل على حالة تشظي على الارجح، اسوة بما يجري في سورية.”
الجزيرة العربية
حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الحكومة الاميركية على رفع مستوى علاقاتها مع السعودية لمصاف "دولة هامة تقع على الخطوط الامامية لحفظ السلام الاقليمي.” واستدرك بالقول ان ذلك لا يعني الاقلاع عن المطالبة بضرورة ادخال اصلاحات سياسية "لكنه يقتضي ادراك افضل لدوافع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الاخرى، والانظمة الصديقة في مصر والاردن والمغرب .. المهددة بمجملها بمنظومة قوى (اقليمية) افقرت او اوقفت التنمية الاقتصادية” في معظم المنطقة.
الجزائر والمغرب
انصب اهتمام معهد واشنطن على الخلافات الثنائية بين الجزائر والمغرب على خلفية التوتر في مستقبل ملف الصحراء الغربية، والزيارة المقررة لوزير الخارجية جون كيري القيام بها وتوسطه بين البلدين، قبل ان يعلن عن تأجيلها لانخراطه المكثف في المفاوضات حول النووي الايراني. وحذر المعهد ان اي ميل للسياسة الاميركية نحو طرف دون آخر "سيفقد الادارة نفوذها عند الطرف المقابل .. وينبغي التقيد بأهمية حشد جهود الطرفين للتعاون في شؤون مكافحة الارهاب،” وتوفير دعمها وخبرتها للدولتين في هذا الشأن.
تركيا
التحولات الاقليمية الاخيرة لفتت انتباه معهد واشنطن والدور الرئيس في المنطقة الذي كانت تطمح في تبوئه تركيا ، قائلا ان "بروز تنظيم الاخوان المسلمين كمجموعة سياسية متشددة في المنطقة قد ادخلت تحولا على مسار الصعود التركي للمركز الاول في الاقليم.” ووجه نقدا للحكومة التركية التي "ادركت متأخرة حدود القوة الناعمة التي لا يمكن تحويلها لقوة عسكرية .. مما دفع انقرة الى الاستدارة في نهج سياستها الخارجية ..”
تقليص الميزانية العسكرية الاميركية
حذرت مؤسسة هاريتاج مجددا من تداعيات تخفيض الميزانيات العسكرية، واستضافت عضوين سابقين في مجلس الشيوخ لترويج قلقها. وقال الثنائي كايل وتالينت في دراسة مشتركة ان "سلاح البحرية تقلص الى ادنى مستوى لما كان عليه قبل الحرب العالمية الاولى ..” والاسلحة الاخرى ايضا شهدت تخفيض مماثل في قواتها ومعداتها. واضاف الثنائي ان قوات سلاح البر تعاني من الارهاق ووطأة الحروب "بل انها تعرضت لتقليص ميزانياتها قبل غزو العراق وكانت بحاجة ماسة لتوفير الموارد الضرورية التي تمكنها من استبدال مخزون ترسانتها.”
التحليل:
اوباما محاصر بين تآكل شعبيته
وتصدع سياسته الشرق اوسطية
الاخفاقات الداخلية وتدحرج فضيحة التجسس على المواطنين منغصات تلاحق الادارة الاميركية التي اتجهت بالاستدارة للخارج والقفز للامام هربا من تداعياتها الداخلية، وسعيا لحرف مسار شعاع الضوء المسلط عليها. وتمت المراهنة على جولة وزير الخارجية جون كيري لتشكل منعطفا محوريا ورافعة لترميم ما اصابها من تدهور وضرر. ادارة الرئيس اوباما تشكل امتدادا وليس استثناءاً لسياسة او منظومة الهروب اسوة بكل من سبقها من رؤساء.
في الشق الداخلي، تلقت الادارة صفعة قاسية مصدرها فشل برنامج الرعاية الصحية الشامل من تخطي العقبات التقنية التي حالت دون تطبيقه، واضطراره الاعتذار رسميا عن اخفاق البرنامج، سيما وانه ترافق مع اجراء جولة من الانتخابات المحلية لمناصب على مستوى حكام الولايات، وادراك بعض مؤيديه من الحزب الديموقراطي تأثير ذلك على مرحلة الانتخابات النصفية المقبلة. وأتت استطلاعات الرأي لتؤكد انخفاض نسبية شعبية الرئيس بصورة ملحوظة والنيل من ارثه السياسي.
في شأن السياسة الخارجية، واجهت الادارة بعض الضغط من زعماء الكونغرس على خلفية الاختلاف في الموقف مع السعودية من ناحية، وكذلك مع مصر من ناحية اخرى ومطالبته ببذل جهد لرأب الصدع؛ الى جانب ترنح المفاوضات بين وفد السلطة الفلسطينية و”اسرائيل” خلافا للتوقعات والخطط السابقة. لهذه الاسباب مجتمعة شرع وزير الخارجية جون كيري بزيارة سريعة للمنطقة للقاء كافة الاطراف، للتخفيف من رعب اطراف اقليمية جراء الانفتاح الاميركي على ايران، وتقليص التداعيات المحتملة على مسار السياسة قبل انقضاء الولاية الرئاسية الثانية.
خروج آل سعود عن السلوك المألوف
درج المسؤولون والخبراء الغربيون على نقد نظام الحكم في الجزيرة العربية وانتمائه للقرون الوسطى وعدم قدرته على التكيف مع متطلبات العصر، بل بأنه خرج من التاريخ. ووصف العرش السعودي بأنه "آيل للسقوط .. مستبد يحكم بالحديد والنار يزرع الرعب والارهاب اينما حل، ويدعي تمثيله للعالم الاسلامي .. ويتبنى آل سعود مبدأ الوهابية، وهو مفهوم غامض وملتبس يبغضه المسلمون المتمسكون بروح الاسلام وجوهره السلمي.”
ولعل ادق وصف جريء جاء مؤخرا على لسان "فينيان كانينغهام” المحرر العلمي السابق للمجمع الملكي للكيمياء في جامعة كامبريدج، اذ قال "غدرت العربية السعودية وحنثت بالشعوب العربية على الدوام .. خدمة للمصالح الامبريالية .. وما برز مؤخرا من انباء حول لقاء (الامير) بندر بن سلطان مع مدير الموساد تامير باردو سرعان ما تبين انه لقاء عادي يتم دوريا بين الاسرائيليين والسعوديين ..”
السعودية، وعلى لسان مسؤوليها، وزير الخاجية ومدير استخباراتها، ارغدت وازبدت في العلن للاعراب عن عدم رضاها من سياسة الرئيس اوباما حول ملفي ايران وسورية، اللذين يعتبران الهدف الاول بالنسبة لها والاطاحة بقيادتهما. وذهب البعض لاعتبار التصريحات النارية غير المعتادة لآل سعود بأنها تمثل مؤشر على نقطة انعطاف ربما لنيتهم بالابتعاد عن نفوذ واشنطن، بيد ان الأمر لا يرقى لمرتبة التصادم مع واشنطن او استقلال في اتخاذ القرار ورسم سياسة خاصة.
ادراكا منا لعدم ضرورة الخوض في تلك التصريحات المعلنة، سواء لأهمية او جدية ما تمثله من عدمها، نسوق كلاما اشد خطورة جاء على لسان مدير الاستخبارات السابق تركي الفيصل، السفير المتجول والغير مقيد بالكياسة الديبلوماسية، القاه في حفل خاص عقد لاعضاء نادي كوزموس، نادي نخبة النخب السياسية والاقتصادية، في واشنطن ليلة 6 تشرين الثاني الجاري. الافكار الواردة هي تدوين لاحد حضور "حفل تكريم تركي الفيصل،” كما جاء في الدعوة الموجهة، نحتفظ بهويته بناء على طلبه.
جدول زيارة كيري المكوكية للمنطقة رتب على عجل لتهدئة الملفات العالقة، ومنها مفاوضات السلطة الفلسطينية التي وجدت نفسها مهانة من نتنياهو وتدور في حلقة مفرغة من المفاوضات العبثية مع استمرار بناء المستوطنات؛ وكذلك اعادة "آل سعود” الى موقعهم المرسوم كطرف يملى عليه ولا يملي على أحد. كما خصص كيري اكثر من لقاء مع بنيامين نتنياهو لتهدئة المخاوف واضعا نصب عينيه المحادثات النووية الجارية مع ايران الواعدة بالتوصل الى اتفاق يجمد الازمة.
برع كيري في جولته العربية استخدام لغة ومفردات لا تصرف في علم السياسة، مطمئنا الرياض وابو ظبي والدوحة وعمّان والقاهرة بأن "الولايات المتحدة ستقف الى جانب تلك الدول .. ولن ندعها تتعرض للاعتداء الخارجي. سنقف الى جانبهم.” وعاد مرة اخرى للاتفاق الروسي الاميركي حول سورية، اهم نقطة خلافية للدول المذكورة، معربا عن اعتقاده ان "الخلاف في الرأي حول اتباع تكتيكات محددة في بلورة سياسية للموقف لا تعني بالضرورة وجود خلاف حول الهدف الجوهري للسياسية ..” كما صرح في حضرة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي.
الولايات المتحدة لا تخفي قلقها من ابتعاد القاهرة عنها والتقرب من موسكو، رافقها تقرير استخباراتي "اسرائيلي” زعم ان روسيا طلبت انشاء قاعدة بحرية لها في مصر لخدمة اسطولها في البحر المتوسط، مقابل توفيير موسكو اسلحة ومعدات ومساعدات اقتصادية لمصر. المسؤولون في مصر اوضحوا رغبتهم بالعمل مع اطراف اخرى "الى جانب الولايات المتحدة” ونيتهم عقد اتفاق لشراء طائرات مقاتلة روسية من طراز ميغ-29 الى جانب معدات عسكرية اخرى يقدرها البعض بنحو 15 مليار دولار. كما اعلن عن زيارة وشيكة لوفد روسي آخر رفيع المستوى يشمل وزيري الخارجية والدفاع.
المنطقة في منظور الادارة الاميركية
يخطيء البعض في تفسير الخطوات الاميركية المتسارعة في المنطقة ورعايتها العلنية لعدد من الملفات بالتزامن مع بعضها البعض على انه مؤشر على جدية ادارة الرئيس اوباما في الانخراط الفعلي في هموم المنطقة، بل ان نظرة الادارة مغايرة تماما سيما وانها عاجزة لا ترى في الملفات الاقليمية فرصة لاستعادة تآكل هيمنتها ونفوذها، وما جولة كيري سوى محطة من محطات التلاقي مع الزعامات المحلية وليس للتشاور معها.
النظرة الفاحصة للتوجهات الاميركية تدل دون لبس على انخفاض حاد للرضى عن اوباما في اوساط الشعب الاميركي، اذ افاد احد استطلاعات الرأي اجرته شبكة "ان بي سي” للتلفزة ان شعبيته انخفضت الى نسبة 42%، مقابل اغلبية 51% من المعارضين. الاستطلاعات الاخرى ايضا جاءت بنتائج متقاربة 39% من المؤيدين مقابل 53% من المعارضين. كما ان الفترة الزمنية الراهنة اضحت بالغة الحساسية والأهمية بالنسب للرئيس اوباما، الذي كان يتوق للانطلاق والترويج لبرنامج الرعاية الصحية الشامل، تمهيدا للحملات الانتخابية المقبلة، واستغلال اخطاء خصومه في الحزب الجمهوري والرفض العام الذي رافق اغلاق الجمهوريين لمرافق الدولة.
المشهد السابق لتدهور الشعبية يعيد الى الاذهان حقبة الرئيس جورج بوش الابن في ولايته الثانية التي حافظت على نسبة مرضية من التأييد، الى حين اعصار كاترينا الذي ضرب مدينة نيو اورلينز ومحيطها على خليج المكسيك. وبلغت النسبة نحو 38% من المؤيدين عشية شهر تشرين الثاني 2005، واوباما حاليا بلغت نسبته 39%. يذكر ان الرئيس بوش لم يستطع التغلب على تلك النسبة المتدهورة بعدئذ.
ادارة الرئيس اوباما تعي حراجة موقفها في استطلاعات الرأي راهنا، ولديها متسع من الوقت للتغلب على مآزقها، بيد ان تقلص دائرة الداعمين من الاميركيين يؤشر على عمق التحدي لتغلبها على النواحي السلبية.
استراتيجية الادارة في الشق الداخلي رمت الى اعتماد برنامج الرعاية الصحية الشامل على رأس سلم اولوياتها. التقارير الاعلامية اليومية بما يواجهه البرنامج من متاعب نزلت به الى درجة التندر والسخرية، ويتناسب طردا مع هبوط شعبية الرئيس. واشار بعض زعماء الحزب الديموقراطي الى ملاحقة البرنامج ينفث سمومه امامهم وامام الرئيس اوباما، مما حدى بالخصوم الجمهوريين الاتعاظ بنصيحة نابليون بونابرت حين قال "لا تعيق عدوك وهو يرتكب خطأً.” وفضل الجمهوريون مغادرة المدينة وأخذ قسط من الراحة عشية موسم العطل الرسمية، تفاديا للتعليق على الأمر.
كما ان انتقادات برنامج الرعاية الصحية الشامل لم تقتصر على الخصوم الجمهوريين، بل شملت عدد من اشد الاعضاء الديموقراطيين دعما للرئيس اوباما، على خلفية العقبات التقنية والشهادة التي ادلت بها امام الكونغرس مديرة برامج الرعاية الصحية والاجتماعية، ماريلين تافنر، وتفسيرها المقلق لاعضاء اللجنة والتي رسخت فيها مشاعر عدم الثقة، عن غير قصد. سبق حضور السيدة تافنر سلسلة فضائح مالية تتعلق بسوء ادارة التمويل والصرف. على سبيل المثال، تحمل برنامج الرعاية الصحية مبلغ 23 مليون دولار لعام 2011 صرفت على تقديم خدمات طبية "لمرضى قضوا منذ زمن.”
الحالة الاقتصادية الحرجة للولايات المتحدة بشكل عام اسهمت بدورها في مفاقمة مأزق الرئيس اوباما، وهو الذي يتطلع لتحسن الاحوال المعيشية التي لا تدعمها الحقائق والارقام والبيانات الملموسة. وربما يصح القول دون ادنى مبالغة بأن الولايات المتحدة تمر في اسوأ مرحلة لاسترداد عافيتها الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، دون توفر بديل في الافق القريب. وعليه، راى الرئيس اوباما ان عليه ترويج مسألة فرص العمل كأولوية سياسية لتسليط الضوء على جهوده الذاتية.
اما والانتخابات المقبلة شارفت على مداهمة المشهد السياسي، العام المقبل، وما تنذر به من انتقال التوازن ونسبة الاغلبية في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب الى الخصوم، تشكل ضغوطا اضافية على المرشحين الديموقراطيين وخاصة اولئك الذين تقع دوائرهم الانتخابية في بيئة اغلبيتها من الجمهوريين، وليس مستبعدا ان نشهد قفز البعض منهم من قارب الرئيس اوباما للمحافظة على مستقبله السياسي والوظيفي. انتقال مركز القيادة في مجلسي الكونغرس الى الخصوم الجمهوريين لم يعد يندرج تحت باب التخمين والتحليل، بل حقيقة يخشى وقوعها، مما سيفاقم ما تبقى للرئيس اوباما من زمن في ولايته الثانية وتصدي خصومه لسياساته سعيا لافشالها والانقلاب عليها.
انعكاسات ذاك المشهد على ملفات المنطقة العربية والاقليم سيبرز سلبا بوضوح اذ ستتدنى أهمية المنطقة للرئيس اوباما المحاصر داخليا عندئذ. ولعل جل ما يخشى حدوثه ازمة كبيرة على نطاق دولي تؤدي لانكفائه مجددا. اما الازمات الصغرى فلن يكلف نفسه الالتفات اليها وستختفي من الصفحات الاولى لوسائل الاعلام.
يلخص ما تقدم الحالة الذهنية السائدة في تفكير الرئيس واعوانه حيال المنطقة العربية، اذ يعتقد الرئيس اوباما ان الخلافات السعودية التي برزت للعلن مؤخرا ما هي الا سحابة صيف سرعان ما تزول. اما المشهد السوري فسيبقى مصدرا للارق في ظل ترسخ قناعة صناع القرار السياسي بأن الرئيس بشار الاسد باقٍ في منصبه، مما يعني العدول عن تبريرات تقديم المعونات لقوى المعارضة السورية. ايضا، باستطاعتنا قراءة آلية تفكير الرئيس اوباما بالنسبة للسعودية اذ يراهن على تواضع وقصر ذاكرتها.
ويدرك الرئيس اوباما ودائرة مساعديه الضيقة ان تبلور سياسة مصرية اكثر محاباة لموسكو ستأخذ زمنا طويلا كي تتجذر، خاصة في مستوى اتمام صفقات الاسلحة، فضلا عن ان القوات المسلحة المصرية في وضعها الراهن تستند الى التقنيات والمفاهيم الاميركية، مما يستدعي مرور بضع سنوات الى ما بعد انتهاء ولايته الرئاسية لبذل جهود مناسبة تعيق ذلك التوجه.
في الملف الايراني، تولدت قناعة لدى الرئيس واعوانه منذ زمن بعقم الجهود الدولية المدعومة اميركيا للحيلولة دون امتلاك ايران سلاحا نوويا معينا، بفضل توفر فائض من الكفاءات والخبرات العلمية والامكانيات المادية لديها. ولعل ما يجري من تقارب وتفاهم وربما توقيع اتفاقيات دولية ملزمة للطرفين ينظر اليه الرئيس اوباما كمحطة لاخراج الملف النووي من التداول اليومي في الداخل الاميركي، وبعيدا عن اهتمام الناخب العادي بتعقيدات الأمر، عدا عن امكانية ترويج اي اتفاق انه انجاز كبير حققه اوباما في زمن تشح فيه الانجازات.
ويمكن القول عند هذا المنعطف ان الرئيس اوباما لا يولي أهمية كبيرة لمصالح حلفاء اميركا الاقليميين لاعتقاده انهم مجتمعين لا يقدمون مكسبا سياسيا، باستثناء القاعدة المتقدمة "اسرائيل” التي تتكفل الجالية اليهودية ببقاء وديمومة حضورها. آلية عمل الهيئات الحكومية الاميركية المختلفة ستمضي على وتيرتها الراهنة، فهي ليست بحاجة لادخال تعديلات على انماط علاقاتها مع الدول الاقليمية، ربما باستثناء مصر لسرعة تقلب المشهد السياسي مما قد يدفع بالرئيس اوباما بالاصطفاف الى جانب الطرف المناهض للحكومة المؤقتة.
آفاق مكوكية كيري
من غير المنتظر ان يطرأ تعديل جوهري على الجولات المكثفة لوزير الخارجية جون كيري للمنطقة، وسيستمر يروح عن نفسه عملا بمبدأ "الحركة من اجل الحركة،” والذي لا ينبغي ان يفسر بأنه اهتمام للرئيس اوباما او نية جادة لطرح مبادرات حل لقضايا مستعصية. وسيُرَحّل الثنائي اتخاذ قرارات حاسمة لمرحلة او مراحل لاحقة، بينما تنصب الجهود الحقيقية على انقاذ ما يمكن انقاذه للحد من التدهور والدعم تحضيرا للانتخابات العام المقبل.
سيبقى حضور كيري في المنطقة عاملا فاعلا وباعثا لآمال البعض بأحقية المراهنة على الدور الاميركي الذي لن يتبلور. ملفي ايران وسورية سيفرضا نفسيهما على اجندة كيري جيئا وذهابا، اما ما عداهما من اهتمامات اقليمية ستبقى تراوح مكانها دون أفق للحل او الاهتمام الى ما بعد نهاية الولاية الرئاسية الحالية.
قراءة اولية في نتائج الانتخابات الاخيرة المحدودة
شهد الموعد التقليدي لعقد انتخابات، اول يوم ثلاثاء في شهر تشرين الثاني المنصوص عليه دستوريا، حضورا قويا للناخبين في بعض الجولات. وجاءت نتيجتها لتضيف منصب حاكم ولاية فرجينيا لصالح الحزب الديموقراطي، واحتفاظ الحزب الجمهوري بمنصب حاكم ولاية نيوجيرسي، كريس كريستي، الذي لمع نجمه خلال حضوره الثابت في معالجة آثار اعصار ساندي الذي ضرب سواحل الولاية العام الماضي. وجاء اعادة انتخابه ليجسد طموحه لدخول الانتخابات الرئاسية المقبلة عن حزبه.
ولاية كولورادو كانت امام تصويت حاسم يقضي بزيادة نسبة الضرائب، والذي هزمه الناخبون بقوة؛ فضلا عن بروز تصدع في وحدة الولاية اذ صوتت 5 مقاطعات من مجموع 11 لصالح الانقسام وتأسيس الولاية رقم 51، سعيا للمحافظة على الطابع والتوجهات المحافظة لسكانها الذين يقطنون مناطق الريف الشاسعة، ويكنون العداء للسلطة المركزية في العاصمة دنفر.
فوز الحزب الديموقراطي في ولاية فرجينيا لم يأتِ بالسهولة التي رافقت استطلاعات الرأي، بل ان الفارق بين المرشحين كان ضئيلا، مرده التحولات الديموغرافية في بعض مناطق الكثافة السكانية المحيطة بالعاصمة واشنطن. تعاني الولاية من مسألة نقاء العرق نظرا لموقعها المركزي ابان اصطفافها مع الولايات الجنوبية في فترة الحرب الاهلية. بلغت نسبة الناخبين "من البيض” نحو 72% من المجموع العام، وهي النسبة عينها تقريبا التي يشارك فيها سكان الولاية في الانتخابات المحلية والرئاسية، التي بلغت اوجها عام 2009 بمشاركة 78% من الناخبين البيض.
عول الحزبين المتنافسين على استقطاب الاعداد النسائية المتصاعدة لجانبهم، الا ان نتائج الانتخابات جاءت لتؤكد مشاركة نسبة أعلى من الاقليات والمهاجرين لصالح الحزب الديموقراطي، مما سيبنى عليها نظريات وسياسات مقبلة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
في الجانب المقابل، شهد الحزب الجمهوري بعض الأمل لمستقبله في الولاية اذ جاءت النتائج النهائية لتؤكد معارضة اغلبية بلغت 53% من الناخبين لبرنامج الرعاية الصحية الشامل، مقابل نسبة 45% للمؤيدين؛ مع الاخذ بعين الاعتبار بمناصفة القاء اللوم على الحزبين للتوترات الاخيرة التي ادت الى اغلاق المرافق الحكومية: 47% وجهوا اللوم للحزب الجمهوري مقابل 46% حملوا الرئيس اوباما وحزبه المسؤولية. خلاصة الأمر ان مراهنة الرئيس اوباما على تحميل خصومه الجمهوريين تعطيل الحكومة لم تؤتِ ثمارها المطلوبة، واستمرار القلق من مستقبل المشهد الساسي للحزب الديموقراطي على ضوء ذلك.