كيف نطلب الشفاعة لشفيع !!
علي الحراسيس
... لست من المهتمين كثيرا بالجانب الرياضي بالقدر الكافي حتى لمتابعة بطولات رياضية عالمية ، فقد مرت تلك المرحلة وانطوت من حياتي ، لكن ما حدث في مباراة الوحدات والمنشية واعتداء حارس نادي الوحدات عامر شفيع على الحكم وأمام جموع المشاهدين في الملعب وعلى شاشات التلفاز دفع اتحاد كرة القدم لاتخاذ عقوبة بحق الرجل وتهدئة خواطر الجميع الذين أدانوا الاعتداء غير المبرر وحال وعي الحكم وجمهور النادي المنافس من اتساع المشكلة الطارئة وتطورها إلى تشابك وردود فعل تصل بالأمور إلى ما لا يحمد عقباه ، فتقبل الحكم الاعتداء ولم يحرك ساكنا وفضل الاحتكام للاتحاد الأردني لكرة القدم لاتخاذ الإجراء اللازم ، ومن هنا يمكن القول ان الاتحاد قد نجح باتخاذ التدابير اللازمة وتطويق المسألة والخروج بنتائج مرضية لمن أدانوا تلك الحادثة ورفضوها وانتهت على ما اقره الاتحاد برد الاعتبار للحكم المعتدى عليه ومعاقبة الجاني وتأسيس منهج المحاسبة والملاحقة لكل من يتعدى حدود اللعبة تحت أي ظرف كان .
تحقق للحكم ما أراد ، وتحقق للناس الذين رفضوا الاعتداء ما أرادوه ، وأظهر الاتحاد قدرة على مواجهة أي طارئ واتخاذ الإجراء المناسب خشية تكرار ما حدث ، وهذا يستلزم من الجميع احترام القرارات ومساندة الاتحاد وليس الضغط عليه للتراجع عن قراراته بالإكراه ! لكن الغريب في الأمر هنا تنطح البعض من نواب وشخصيات ومواقع إعلامية ومناشدات واسعة تطالب سمو رئيس وأعضاء الاتحاد بإلغاء العقوبة التي صدرت بحق المعتدي واعتبار أن شيئا لم يحدث بعد اقل من يوم على صدور القرار ! وتلك سابقة غريبة لم يعهدها الشارع الأردني قياسا إلى حجم ومستوى المتباكين على حارس المرمى الذي هللنا وأثلج صدورنا في دفاعه عن مرمى الوطن في البطولات الرياضية ، ولم نسمع حتى الآن من ينتصر للحكم ويحترم قرارات الاتحاد بالكم والنوع الذي طالب به المتشفعون لحارس المرمى المذكور !
لا يتعلق الأمر بالنسبة لي بأية مواقف شخصية ولا بأي موقف متحيز لناد دون غيره ، لكن العبرة في ضرورة أن يتحمل كل منا نتائج أخطائه وان يتقبل الناس تلك النتائج وان نحترم قبل كل هذا قرارات المؤسسة المعنية ، ولا داع لمن يريد ان يركب الموجة ويستفيد من الحادث لتحقيق أهداف شخصية ونفعية بعيدة كل البعد عن منطق التعامل مع القرارات ان يدس انفه في الشاردة والواردة من حياة الناس والمؤسسات التي يبدو ان ضعفها قد اتاح المجال للجميع بالتدخل والتوجيه ، فالمدافع عن العدالة وقيم المساواة يدرك أن المطالبة بإلغاء العقوبات بحق اللاعب ما هي إلا اعتداء أخر على العدالة نفسها وقد تفجر لا سمح الله إن حصل وتم إلغاء العقوبة او التخفيف منها اشتباكات واعتداءات أخرى تتكرر على اللاعبين او الحكام او حتى الملاعب نفسها طالما ان المتشفعين كثر والقرارات قابلة للتعديل !! و سيطالب المعتدون لاحقا بمساواتهم مع غيرهم ممن ألغيت عقوبتهم وتتحول ملاعبنا الى ساحة اشتباكات وفوضى تسيء الى سمعة البلاد وتؤسس لمرحلة خطيرة لن نتقدم على أثرها بأية خطوة نحو الأمام .
لا نود ان تدار مؤسساتنا دوما بشكل عشائري ( فنجان قهوة وجاهة ورجا وشفاعة ) فالعشائرية لا مكان لها هنا ، بل نرغب ان تدار هذه المؤسسات بشكل مؤسسي رفيع وراق يعكس قوة المؤسسات واحترام قراراتها وبعدها عن الانتقائية والتدخل ، فسياسة الإرضاء والتسامح والتدخل غير المرغوب من الآخرين بشؤون الاتحاد وقراراته بات امرأ مرفوضا وغير مقبول إن كنا نبحث عن التقدم والتطور ، وإلا ما فائدة الرياضة ان كانت لا تهذب النفوس ؟ وما فائدة القوانين والنظم التي تحكم مؤسساتنا .
يمكن التذكير هنا ، أن اتحادات كرة القدم العالمية قد اتخذت قرارات مصيرية بحق أشهر وأفضل لاعبيها وإبعادهم عن المنتخب رغم الخسارة لفقدانهم لتجاوزهم الخطوط الحمراء وتعاملهم مع الحكام او المدربين بشكل سلبي لأنهم أسسوا لعمل مؤسسي رفيع تحول قوة قراراته واستقلاله دون تدخل حتى رؤساء الدول بشؤونهم كما حصل في البرازيل بإبعاد النجم روماريو عن المنتخب بسبب تأخره عن التدريب اكثر من مره وليس اعتداء على حكم او لاعب ، ومنعت إحدى المنظمات الدولية العاملة في المجال الرياضي في فرنسا النجم زين الدين زيدان من نيل جائزة تقديرية كانت تزمع تقديمها له بعد اعتدائه على اللاعب الايطالي . فهل نؤسس لمثل تلك الثقافة في بلادنا !