لماذا يحاكم "مرسي" ؟


بأي ذنبٍ يحاكم الرئيس محمد مرسي في أكاديمية الشرطة بالقاهرة؟ وأيّ جرّم ارتكبه هذا الرجل الذي جاء من عملية ديموقراطية كاملة الأركان، بحيث قالت الصناديق الانتخابية كلمتها بعد أعوام خلت من النكهة الديمقراطية، كانت الصناديق الانتخابية ديكورات إعلامية خالية من مضمون ديمقراطي حقيقي، لأنهم يدركون أن امتلاك الجماهير الشعبية لحرية الاختيار، والتعبير، ستتعرض بالتأكيد الكراسي الرئاسية للاهتزاز، وربما للسقوط، وقد تجلب إليهم المزيد من المتاعب النفسية، والمعنوية.

كل المحاكمات في العالم ترصد دائماً بعيون شعبية، لأنهم الأعلم بمن يقود البلد إلى الأمان، والنهضة، والسير نحو دولة ديموقراطية يسودها العدل، والحرية. وهم كذلك الأعلم من يريد أن يلقي عليهم جرعات مهدئة من الحرية مجبولة أحياناً بقبضة أمنية، وأحياناً بمحاكمات وهمية، يزجّوا من خلالها الأحرار بالسجون لعشرات من السنين، وقد يكون ذلك بجرة قلم، أو بمزاجية مسؤول مهووس بكرسي السلطة، لا يؤمن بحقوق المواطنة في العيش الكريم، والحياة الهانئة.

لا تستطيع محاكمة هذا الرجل، وعزله سياسياً في السجون المؤبدة، أن تنهي حالة السخط الشعبي التي يحوم رحاها في جميع المحافظات المصرية، ولا يستطيعوا أن يمسحوا الآلام من قلوب بعض المصريين الذين فقدوا ذويهم في الميادين المصرية، لأنهم أدركوا أن الديمقراطية تحتاج لتضحية، ولا يمكن أن تقدم على طبق من ذهب، وأن آجلاً أم عاجلاً ستنتصر قضيتهم، والعودة مجدداً إلى الدولة الديمقراطية المنشودة، يكون الجميع شركاء في الحكم دون هيمنة القطب الواحد في السلطة.

لماذا يحاكم هذا الرجل؟ الذي أطلق ثورة إصلاحية شاملة في أولى أيام حكمة بالرغم من العراقيل، والمطبّات التي زرعت أمامه، وقد حاول جاهداً أن يزرع بذور العدالة الاجتماعية بين المصريين، وفتح المشروعات المائية، والصناعية، والزراعية في مناطق متعددة من المحافظات المصرية، فضلاً عن زيادة الرواتب، ودعم الجمعيات التعاونية التي تقدّم الدعم للمواطن المصري بأسعار تفضيلية، واستطاع أن يشرك أكبر قدر من المسؤولين في الحكم، فلا توجد سياج حديدية، ولا موانع أمنية تبعده عن الشعب الذي اختاره، ليكون أول رئيس بزيّ مدني، مع الحفاظ على هيبة الجيش واستقلاليته في الدفاع عن الوطن، وأن لا يكون طرفاً في اللعبة السياسية.

لا يمكن أن يكون الرئيس المعزول محمد مرسي منزّه من الأخطاء، وبالفعل ارتكبت العديد من الأخطاء التي جاءت نتيجة عظمة المسؤولية، وثقلّ الأمانة، وربما قلة الدراية، والخبرة في إدارة أركان الدولة، سهّل المهمة على معارضيه في تجيش الشارع، والانطلاق بثورة مضادة، مع مساندة داخلية، وخارجية، ساهمت في إقصاءه عن الحكم، ولو كلّف الأمر مزيد من دماء الأبرياء.