المحافظون الجدد
عندما تولى الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم في 1999 كان الملك الشاب يحمل رؤية مختلفة، من أولوياتها التخلص من البيروقراطية ضمن مفهوم اقتصادي شامل يبدأ من المستوى المحلي وصولا لاتفاقات وشراكات مع العالم أجمع.
أذكر في ذلك الوقت توجيه الاعلام نحو مسارات جديدة تعطي الأولوية للشأن الاقتصادي، ثم جاءت اتفاقيات التجارة الحرة العالمية واتفاقية مماثلة مع أمريكا واتفاقية الشراكة الأوروبية، بالتزامن مع تعيين حكومة غالبية أعضائها من الشباب.
ولم تمض سنوات محدودة حتى هوجم الطاقم وفي أكثر من حكومة على اعتبار أنهم ماضون في خصخصة البلد وأحدثوا شرخا عميقا بين الدولة ومتنفذين كانوا يعتمدون في وجودهم بالأساس على البيروقراطية التي شملت في إطارها العام موظفي الدولة من مراسل حتى وزير في المؤسسات ولم يكن مستبعدا من الأمر مجلسا النواب والأعيان.
هؤلاء المسؤولون الشباب الذين كان يُطلق عليهم الليبراليون الجدد تركوا بصمات واضحة منها إيجابية وأخرى سلبية، رغم أنهم ساروا في حقل ألغام كان يثيره بين حين وآخر المحافظون، الذين أيضا استبعدوا من المشهد بقصد أو دون ذلك؛ لإفساح المجال لأجيال جديدة يمكن أن تعمل في إطار القوانين التي اخترقت على الدوام.
تلك هي بنية الدولة على مدار قرون، فكيف يمكن لعدد محدود أن يؤثر في سياسات قديمة اعتمدت العشيرة والواسطة بمجالاتها الواسعة على تسيير الأمور بل تجاوزت حدود القوانين لقضايا فساد تكشفت أخيرا.
لعل الربيع العربي الذي انطلقت شرارته قبل سنوات أصبح في صالح المحافظين بعد عقدتي سوريا ومصر قبل أن كان يصب في مصلحة الإصلاحيين بغض النظر عن فئات أعمارهم أو المناصب التي تقلدوها في الدولة والقطاع الخاص.
الخطير هذه المرة أن هؤلاء المحافظين الجدد استعادوا مكانتهم هذه المرة مع سطوة أمنية واضحة بحجة أن الدولة تحتاج لهذا الجو العام لبسط الأمن من جهة وتتجاوز ذلك الربيع العربي والمطالبات بالإصلاح التي أصبحت تؤرق أصحاب القرار.
حاولت نخبة بدون ذكر الأسماء المزاوجة بين سيادة الدولة المطلقة على المجتمع وقائمة لبعض الحقوق لغاية احداث سلم أهلي ضمن عقد اجتماعي، على الأقل لضمان أمن الجميع، لكنهم فشلوا أو أفشلوا، لأسباب كثيرة كان أهمها الفساد.
تلك السطوة الجديدة مخاطرها لن تظهر الآن، بل سيكتشف الجميع أن الوقت سيعود بنا إلى عشرات السنوات الماضية ولن يكون هنالك مجال لرصد كم الاحتقان الذي سيتراكم بل لا يمكن التكهن بزمن الانفجار، خصوصا أن ما يحدث لم يكن مجرد تسليم الأمور لمن يرفضون الإصلاح بل هنالك كثيرا من الإقصاء.