لا بديل عن المفاوضات


نجح الرئيس الفلسطيني ، في توظيف حاجة الولايات المتحدة ، لإجراء مفاوضات فلسطينية إسرائيلية ، كي يحقق بعضاً يسيراً من مصالحه ، فالرغبة الأميركية الجامحة في مشاهدة الطرفين على طاولة المفاوضات ، تعكس الشعور الأميركي بالضعف ، بل وبالهزيمة ، لسياستها في العالم العربي ، رغم ما تملكه من جبروت أسقط نظامي الحكم في العراق وليبيا ، ولكنها فشلت في توفير الأمن و الإستقرار البديل ، فالضربات التي واجهتها القوات الأميركية على أرض العراق ، دفعتهم للرحيل ، والنظام العربي الذي كان صديقاً للولايات المتحدة في الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفيتي وحربها الدولية ضد القاعدة وعملياتها الموجعة ، ولّدت لدى النظام العربي أربعة مفردات هي : 

1- الأصولية ، 2- التطرف ، 3- الإرهاب ، 4- العداء للغرب ، مثلما ولّدت ثورة الربيع العربي المعادية للطرفين أولاً للأنظمة العربية غير الديمقراطية ، وثانياً ضد سياسة الولايات المتحدة بما فيها دعمها للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي مما دفع واشنطن للتضحية بأصدقائها وفي طليعتهم حسني مبارك وزين العابدين بن علي ، وصولاً نحو علي عبد الله صالح ، والتوصل إلى تفاهم مع حركة الإخوان المسلمين ، للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها وفق إفرازات صناديق الإقتراع كما حصل في مصر وتونس والمغرب وليبيا ، نظراً لكونها أقوى الحركات السياسية العابرة للحدود في العالم العربي ، ولها خلفية التحالف ونجاعة التفاهم مع الأميركيين طوال مرحلة الحرب الباردة . 

الرئيس الفلسطيني الذي لا يملك أوراق قوة في مواجهة التفوق الإسرائيلي ، إستطاع توظيف حاجة الولايات المتحدة للمفاوضات من أجل الإفراج عن أسرى ، رفض العدو الإسرائيلي إطلاق سراحهم في ذروة التوصل إلى إتفاق أوسلو وسلسلة الإتفاقات التدريجية ، تحت حجة أنهم أقدموا على قتل إسرائيليين . 

وافقت إسرائيل على الإفراج عن 104 أسيراً ، على أربع دفعات ، خلال التسعة أشهر من العمر الأفتراضي للمفاوضات ، حيث أطلقت سراح دفعتين الأولى مع بدء المفاوضات ، والثانية بعد ثلاثة أشهر من بدء التفاوض مقابل شرطين أولهما عدم الذهاب الفلسطيني إلى المؤسسات الدولية لنيل العضوية ، وثانيها إستمرار المفاوضات بدون إنقطاع لمدة تسعة أشهر . 

حاول الرئيس الفلسطيني توظيف الرغبة الأميركية للمفاوضات ، مقابل وقف الإستيطان ، ولكنه فشل في ذلك ، لأن خطيئة الفلسطينيين وسوء تقديرهم ، منذ أوسلو لم يشترطوا الوقف الكامل والنهائي للإستيطان ، وتوهموا في حينه أن العمر الأفتراضي من الأتفاق التدريجي المتعدد المراحل ، سينتهي بعد ثلاث سنوات ليبدأ التفاوض على قضايا المرحلة النهائية خلال السنتين ، ويؤدي إلى الإنسحاب الإسرائيلي الشامل بقيام دولة فلسطينية مع أيار 1999 ، وسيزول الإحتلال نهائياً عن الأراضي الفلسطينية عام 1967 ويتم إزالة كافة المستوطنات وتفكيك قواعد جيش الإحتلال عن أراضي الدولة المنشودة ، ولكن حسابات الوضع الإسرائيلي تغيرت بقتل رابين وسقوط شمعون بيرس ، ومجيء نتنياهو والليكود الرافض لأي شكل من أشكال التسوية الواقعية مع الفلسطينيين ، وثمة برنامج إسرائيلي واحد ، هو إستكمال تهويد فلسطين وأسرلتها في مناطق 67 أسوة بما جرى لمناطق 48 . 

لن يوقف أبو مازن المفاوضات ، ولن يستطيع حتى ولو كانت لديه الرغبة ، فالعوامل الأربعة الدافعة لمواصلة المفاوضات أقوى من العوامل الضاغطة بوقفها ، وهي أولاً عدم رغبته بالتصادم مع واشنطن لأنه سيخسر ، ثانياً حاجته للمال وتغطية إحتياجات السلطة الوطنية ، ثالثاً الإفراج عما تبقى من دفعتي أسرى ما قبل أوسلو ، رابعاً لأنه لا يملك البديل الكفاحي لجعل الإحتلال مكلفاً ، لهذا الوقت . 

h.faraneh@yahoo.com