شعبية الحكومة

منذ أن بدأ مركز الدراسات الاستراتيجية بإجراء استطلاعات الرأي،والتي تُقاس من خلالها آراء المواطنين بشأن أداء حكوماتهم، أصبحت هذه الاستطلاعات مؤشراً مهماًيتم الاسترشادبه حول أداء الحكومات. بالطبع، هذا ليس الأسلوب الوحيد لتقييم الحكومات، ولكنه تقليد متبع في الدول الديمقراطية، وكان الأردن أول دولة عربية  تقوم بذلك.الرأي العام  يتأثر بأربعة أبعاد متداخلة: أولها؛ الإعلام،والذي يساهم بما نسميه "صناعة الرأيالعام" من خلال الصورة التي يعكسهاعن الحكومة وآرائها وقراراتها المختلفة، والتي يتأثر بها الناس بدرجات متفاوتة. وبعد الانتفاضات العربية، بدأ الفضاء الإلكتروني،الذي يتمتع  بجرأة وصراحة أكثر من الإعلام التقليدي،يدخل في معادلة صناعة الرأي العام.أما البُعد الثاني؛ فهو انعكاس السياسات والقرارات الحكومية على الواقع المباشر للمواطنين،وبخاصة على مستوى معيشتهم وفرصهم الحياتية لمختلفة، سواءكانت إيجابية أم سلبية أم لا أثر مباشرلها. وهذا يتضح أحياناًمن خلال التقييم المتباين للحكومة بحسب الخلفيات الاجتماعية والجغرافية أو المناطقية أحياناً. أما البُعد الثالث؛ فيرتبط بالتكوين السياسي والأيديولوجي للأفراد،والذي عادةما يُحدد مواقف مسبقة من الحكومة،سواء كان ذلك تأييداًأم معارضة. ويرتبط البُعد الرابع بأحداث محددة، يكون لها تأثير مرحلي على تقييم الحكومات أو رؤسائها.التجارب العالمية تفيد أنه من الصعب المحافظة على شعبية رئيسأو رئيسحكومة، أو ارتفاع في الشعبية، مع مرور الوقت،إلا في حالات قليلةونادرة.وفي محاولة تفسيرتراجع شعبيةرئيس الوزراءد. عبدالله النسور وحكومتهوفريقه إلى هذه الدرجة،في استطلاعاتجاهات الرأيالعام الأردنيبعد مرورمائتي يوم على تشكيل حكومة د. عبدالله النسورالثانية، والذيأُعلنت نتائجه أمس، فإن كل العوامل المؤثرة في صناعة الرأي العام، ساهمت في تهاويشعبية الرئيسوالحكومة. فعلى الصعيد الإعلامي،وبخاصة الإعلامالفضائي، بات يُشار للرئيس بأنه رئيس "رفع الأسعار"، بالرغم من أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي قامت وتقوم به الحكومة. وهذا ليس بالضرورة نتيجة مواقف معادية من قبل الإعلام، وإنماقد يكونساهم فيه تقصير الحكومة بشكل عام من إبراز إنجازاتها وإيجابياتها،ومن ثم أصبح الرأيالعام متأثراًبهذه الصورةالنمطية التيرُسمت عن الرئيس وحكومته.أما الجانبالثاني، والذيكان له دور حاسمفي التأثيرفي تقييمالمواطنين للحكومة،فهو القراراتالاقتصادية التياتخذتها الحكومة،ومن الواضحأنه كان لها آثارملموسة على حياة المواطنينومعيشتهم بشكلمُباشر. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوجود الكبير للاجئين السوريين في مناطق المملكة كافة،كان له أثر مهم وسلبي على مستوى معيشة وخدمات المواطنين،والذي أدى إلى زيادةالطين بلة.المسألة الثالثة،والمهمة في رأيي، هي أن حكومةد. النسور الثانية كانت "حكومة اقتصادية" بامتياز، وغابعنها البعدالسياسي أو الأجنده السياسية،الأمر الذيلعب دوراً سلبياً لدى أغلب التيارات السياسية المعارضة، وبخاصة الإسلاميين،إضافة إلى بعض مكونات الحراك التي بدأت تشعرأن الحكومة أدارت ظهرها لعملية الإصلاحالسياسي وللمكوناتالسياسية المختلفة.نتائج العينة الوطنية يجب أن تُقرأمع نتائج عينة قادة الرأي التي جاءت للمرة الأولى منذ أعوام أكثر إيجابية في تقييم الرئيس والحكومة، وهو ما قد يكون من باب التفهم لضرورة القراراتالاقتصادية من جانب، ولعدمتأثرها مُباشرةعلى المستوى المعيشي. فباستثناء فئة الأحزابوالصحافة، جاء تقييم الفئاتالأخرى إيجابياًجداً.لقد قال الدكتورالنسور إنه لا يبحثعن الشعبية،وإن قراراته هي من أجل المصلحة الوطنية العليا. وقد أقنعالناس بذلكفي حكومتهالأولى ولم تتراجع شعبيته بعد تحريرأسعار المشتقات النفظية في المرة الأولى. ولكن يبدوأن أثر تلك القراراتعلى الناس قد غير مواقفهم.