طاهر المصري
من أي زاوية ستكتب عن طاهر المصري، بصراحة تحتار دوما في البداية ولكنك في لحظة صفاء تدرك أن البعض حاول أن يسرق منا ( أبو نشأت) ويأخذه لمسارات متعددة فمنهم من استعمل خروجه من مجلس الأعيان عبر زاوية الغضب ومنهم من وظف تاريخ الرجل لانتاج الأسئلة، ومنهم من استعمل هدوء طاهر وتسامحه عبر انتاج تقارير إخبارية تؤكد تحيز الدولة وتجبرها.
المشكلة أنهم جميعا لا يعرفون أن طاهر المصري لم يكن في الاردن حصة للفلسطيني ولا حصة لتجار (الشنطة) ولم يكن نصيرا لجمعيات التمويل، طاهر كان حصة الأردني وحده وحصة أهل الجنوب وأهل الشمال...ففي حياته السياسة كلها كان منحازا للكرك أكثر من نابلس ولمعان أكثر من الخليل وكان منحازا للمفرق أكثر من جنين وأنا هنا لا أتحدث من قبيل العاطفة..وترطيب أجواء العلاقة بين الشعبين، ولكني كنت أرى منزله وكيف يفيض أبناء المرحوم صطام المجالي الابن الأكبر للمشير حابس المجالي إلى منزل (خالتهم أم نشأت) في مساءات عمان، وكيف يتوحد الدم في الجنوب مع نابلس العظيمة، وكيف يتوحد تاريخ أحفاد أعظم مقاتل في بر الأردن (حابس المجالي) مع دم نشأت ومع دم أبناء طاهر المصري.
علاقة الدم أكبر من علاقات السياسة،..علاقة الحب والقلب أنبل من تقاطعات المصالح وأجزم أن هذا الرجل اقام وزنا للأردن في قلبه أكثر مما أقام حبا لنشأت ابنه.
أنا غاضب ومجروح..ليس بسبب خروج طاهر المصري من معترك السياسة، ولكني غاضب من الذين يريدون اختطاف حصتنا من الرجال، وأجزم أنه كان حصتنا التي لا نقبل قسمتها على فريق غيرنا، ولا نقبل أن يسرق وجدانه أو تسامحه.
أعترف أنا من الناس الذين هاجموه حين أراد البعض توظيف تاريخه السياسي لخدمة فكرة أو تقرير عابر في صحف عابرة، وبالرغم من قسوة حروفنا لم يقم يوما أبدا بتصفية حساب مع أحد ولم يحرك قضية ولم يحرض علينا أحدا..كل ما كان يفعله هو تقديم ابتسامة عابرة وتجاوز كل ما كتب.
من الرجولة أن تكتب عن الذين غادروا، ومن الرجولة أن نقدم في هذا الرجل شهادة يستحقها، ومن الرجولة أيضا أن نقول عنه أنه كان الوحيد في الأردن الذي يبوح بما في قلبه...ولم يكن يضع (فلترا) للبوح، وفي كل بوح فرده الرجل كان خوفه على الأردن أكثر من خوفه على قلبه المتعب وصمام قلبه الذي (تكلس)، والأدوية التي يخالف مواعيد أخذها دوما...
وكان دائم التفكير ودائم القلق، والأهم أنه زهد في علاقاته مع الناس لدرجة أن رقم هاتفه كان مع جميع الأردنيين بمن فيهم رؤساء الجمعيات الخيرية، وخطباء المساجد.
في الحياة السياسية الأردنية طاهر المصري من الناس الذين حصلوا على ما هو أكبر من السلطة وأكثر من هيبة الموقع...حصل على محبة الناس وهذا رصيد في لحظة العمر تكتشف أنه الأهم وأنه الرصيد الذي يتضاعف في حين أن المنصب يسرق من القلب راحته ومن البال هدوءه المعهود.
السلام على صديق كان وما يزال وسيبقى حصتنا نحن في تاريخ السياسة الأردنية..حصة البدو وحصة من احترفوا الطيبة والصبر، حصة كل أردني أحب فلسطين بما تستحق من الحب.
Abbed570@yahoo.com