مطعوم زهرة اللوتس
* في زيارتي لأهرامات الجيزة ، اشتبك بحوار طريف مع عطار يروج لعطر (اللوتس) بطريقة مغرية. فقد شرح لنا طريقة تقطيره من هذه الزهرة البديعة الجمال والكمال ، بعد دفنها في الأرض لبضع سنوات. وهو عطر طيب معروف منذ الفراعنة ، صار يسمى شعبياً (الفياغرا المصرية). فحسب تصريحات ذلك العطار ، فعطر اللوتس جعل المصريين يفوقون الثمانين مليون إنسان.
التراث الإغريقي كان يعتقد أن بشراً يعيشون في افريقيا ، لا يأكلون سوى الفاكهة وزهور اللوتس ، أطلقوا عليهم اسم آكلي اللوتس (لوتوفاجي) ، وكان يعتقد أن الذين يأكلون من هذه الشجرة المسحورة (الإغريق ينظرون إلى اللوتس بأنها مسحورة): فإنهم ينسون أوطانهم وديارهم وهمومها وشجونها ويبقون في خيالاتهم وأوهامهم،.
لم تعجبني تسمية الثورة التونسية العظيمة بثورة الياسمين ، رغم محبتي لهذا الزهر الثلجي العابق. فالثورة التونسية ثورة الفتائل البشرية بامتياز ، أشعلها محمد البوعزيزي ، ولم تطفأ إلا بتحقيق المآل. وكانت مثالاً متجددا بحب الأوطان وتسخينها حتى بحرارة احتراق الجسد إن تطلب الأمر.
ولكنني اعجبت كثيراً بتسمية الثورة المصرية الجديدة بثورة (اللوتس). حتى ولو لم يفلسفوا سبب التسمية. فاللوتس زهرة فريدة ، تمنحنا الجمال وفي موتها تعطينا عطراً طيبا مخصباً. أعجبتني التسمية رغم أن (اللوتسيين) ينسون أوطانهم وديارهم ، على حد زعم الإغريق. لكنهم في ميدان التحرير رسم اللوتسيون حب بلادهم بعطر دمهم ، كي يبقى خالدا بأنف التاريخ.
فزيادة على أن لزهرة اللوتس شكلاً لا يضاهى في الأوبهة ، فلها ميزة لا تمتلكها أية زهرة في العالم. فاللوتس تقوم بتنظيف نفسها ذاتياً كل حين. ولهذا تبدو على الدوام أنيقة مبتهجة وكأنها مغسولة بماء البرد.
وعلى هذا الأساس ، فقد استطاع العلم الحديث استخلاص مادة طبيعية من اللوتس ، تطلى فيه واجهات المحلات والبيوت والشبابيك ، كي تبقى نظيفة تستعيد بهجتها كل حين. فما عليك إلا أن ترش تلك الواجهات أو الشبابيك بالماء ، فتعود براقة جميلة من جديد ، بفضل المادة اللوتسية.
سينتابني سؤال: هل سيكون العلم الحديث قادراً على استخلاص مطعوم من دماء اللوتسيين في ميدان التحرير ، مطعوم تلقح به كل الشعوب المتعبة المرهقة ، كي تنظف نفسها من أدرانها ، وديكتاتورياتها وأوهامها ، كل حين.
إذن ، سلام على اللوتس ، واللوتسيين ، ومن قبل على التونسيين.