زمن الخبيصة...!


- بالتي واللُتية ، تحلل فاقد الدهشة من مأزق العيد ، تحامل على نفسه ليُشيع بعض الفرح لمن حوله ، إنتهى العيد وعاد اللدود مُربكا بما يُعاني من الطفر ، يجتر إحباطاته بمغادرة الواقع ، يهيم في الخيال ، يتوحَّد ربما لعدة أيام وهو يبحث عن ذاته في العوالم الماورائية ، لكنه لم يُفلح في تحقيق هدف الشعور بالراحة ، لم يحظ براحة البال والنأي عن مجريات الأحداث المفعمة برائحة الدم ، لم تتبدد مخاوفه على فلسطين وشعبها وقدسها ومقدساتها، هكذا حط مع الفجر على أريكتي مثقلا بالهموم ، وبوجه آخر لم أستطع سبر غوره ، ولا إدراك مخبوئه ومعرفة سبب هذه الزيارة الفُجائية ، فهو يلوذ بالصمت يرتشف القهوة ويحرق السجائر وترتسم على شفتيه إبتسامة غامضة ، تُنبئ بأن اللدود يغرق في هَمٍ عظيم ، وعلى ذلك أعددت نفسي لموجة غضب من العيار الثقيل...! 
- ترددت في السؤال عن سبب هذه الحالة ، التي تنتاب صديقي اللدود ، الذي تدثر بالوقار ، الجدية ، تنحنح ، أشعل سيجارة ورشف القهوة ، ومن ثم إعتدل وتساءَل ، ماذا بعد...؟ 
- ما أن هممت بالكلام وإذ بالحشري جاء غاضبا ، وبلا دستور أو حاضور ، يُهمهم ، يُبرطم ، يهذي وصرخ في وجه فاقد الدهشة ، ماذا تعني بالخبيصة...؟ ، لماذا تركتني حائرا وهربت ، أم هي غمزة من قناة بوستات العم قحطان ، التي تعكس حال أمة الخذلان العروبوي والتخبط الإسلاموي...؟ 
- فيما كنت أقف حائرا بين اللدودين ، يتراشقان بكلام مبهم ، وكأنها ألغاز بالنسبة لي كغايب الطوشة، مما زادني ذهولا ، خاصة حين إنتابت فاقد الدهشة موجة قهقه وضحك حتى كاد يُغمى عليه ، لكني شعرت بالغباء والقهر ، وقد لملم فاقد الدهشة رباطة جأشه على غير عادة، ومن ثم إلتفت إلى الحشري وقال : إجلس يا صديقي فالأمر على غير ما تظن ، وأرجو أن لا توقعني في لسان العم قحطان ، فلسانه سليط ولا ينجو منه أحد حتى أرق النساء . 
- صب فاقد الدهشة لنفسه فنجان قهوة وآخر للحشري ، أشعل له سيجارة ،ومن ثم إعتدل ، تنحنح وقال : أما الخبيصة فقد تخطت الأمة العروبوية والإسلاموية وأصبحت حالة كونية ومعاناة بشرية ، حالة ضياع تجتاح العالم بأسره بنسب متفاوتة ، وربما سيزداد الأمر سوءاً ما لم يلتفت العالم إلى العلة المركزية ، إلى محور الحياة والموت ، الحرب والسلام ، إلى القدس خاصة ، وفلسطين الأرض ، الشعب وحق العودة عامة. 
-إنصياعا لدور المعزب ذهبت لإحضار إبريق الشاي بالميرمية ، وحين عُدت وإذ باللدودين يتهامسان فأصابني الغضب ، حتى قلت : ماليَ أراكم في وشاوش ومخالي وكأني بينكما رجلا غريب...؟ ، وإذ بهما يبتسمان ويفردان أمامي صفحة تعج بالخبيصة ، تحتوي على أخبار تدعم رؤيتهما وتؤكد أن الحالة فعلا خبيصة ، وخاصة في إقليم الشرق الأوسط بعربه وعجمه على حد سواء ، وكنوع من المجاملة وكي لا أشعر بالتهميش ، تنطح الحشري لشرح الوضع على نحو زادني ذهولا ، حين عبر عن إعتقاده بأن ما ورد من أحاديث عن جنيف 2 ، تشي أن الحال في سورية إنتقلت من الخبيصة إلى الشوربة ، العراق خمَّج من سيول الدماء وتعفن الجثث ، مصر تغمرها سيول الضياع بين مُشتري وبياع ، ليبيا تتدهور بين القبائلية ولا تجد مرياع ، إيران تُمارس ألاعيب السيم ، تركيا تتخبط مُنقسمة على ذاتها وتسقط بين العثمانية ، الإخوانية والعلمانية ، المملكة السعودية تخوض غمار تجربة التمرد على الحليف الإستراتيجي أمريكا ، وأمريكا مُنشغلة في تنجير الخوازيق للعروبيين والإسلاموين على حد سواء، وهكذا باتت الأمور خبيصة ومدلوقة على بعضها في الإقليم ، وعبر العالم الذي يُراقبه ويتجسس عليه، يسمع همسه ووشوشته العم سام...!، وبذلك إن الله وحده يعلم ما ستسفر عنه التحالفات والإصطفافات الجديدة بين القوى الإقليمية والدولية . 
- بالطبع تعلمون يا سادة ، أن من سمات فاقد الدهشة الإتكاء على مصادر معلومات ، لا يتسنى للكثيرين الوصول إليها ، فهولا يهتم كثيرا لما تتداوله وسائل الإعلام ، لذلك ينبش في الدهاليز يُفتش الملفات في الغرف المغلقة ، ويصيغ رؤيته على أسس مغايرة لما تنضح به الرويبضة وأدعياء المعرفة. 
-يتوقف فاقد الدهشة مليا عند ما وراء الحدث كي يصل إلى الحقيقة ، التي تستهدفها ألاعيب الدول الكبرى ، وعلى الدوام يرى أن الهدف هو مصالح الدول الكبرى وأمن إسرائيل أولا وعاشرا ، ومن ثم الإلتفاف على قضية فلسطين عامة ، القدس ، حق العودة ومصير اللاجئين الفلسطينيين ،،،لماذا...؟ 
- سؤال يصعب على الكثيرين الإجابة عليه ، مع أنه سهل جدا عند الذين يُفعِّلون عقولهم ، ويستوعبون ألاعيب ومؤامرات الدول الكبرى ، الساعية لتفتيت ما تبقى من الدول والمشيخات العروبوية والإسلاموية، ليس لزيادة نفوذها ، هيمنتها وتأمين مصالحها وسيطرتها على العرب العاربة والمستعربة فحسب ، بل كي تضمن أمن إسرائيل وتفوقها، عبر إنجاز تسوية سياسية مسخ مع القيادات الفلسطينية ، في غياب الشعب الفلسطيني المُغيّب عن ما يجري في المفاوضات ، بين تسيبي ليفني وصائب عريقات .