«لاءات» الجربا بين المعارضة المُقْنِعة والأخرى.. المعتدلة!
لا أحد يُصدّق أن رئيس ائتلاف المعارضة السورية الشيخ أحمد العاصي الجربا، كان يعني ما يقول في بيانه الصحفي الغاضب الذي أدلى به في لندن من على منصة وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث البريطانية، حيث عقد مؤتمر الأحد عشر الأكثر «إخلاصاً وصداقة» للشعب السوري، لسبب بسيط هو أنه جاء تكملة ديكورية لمؤتمرين صحفيين لأصحاب القرار (حتى لا نقول الأسياد) وخصوصاً جون كيري الذي كان أكثر حذراً ونضجاً من وليم هيغ، رغم ما حفلت به اجاباته من صلف وغطرسة ومحاولة لإبعاد الأنظار عن المعادلات الجديدة الآخذة في التجسد إن على مستوى المنطقة أم لجهة النظام الدولي الجديد الذي تؤشر ارهاصاته (وخصوصاً تلك المتعلقة بالأزمة السورية) ان عهد التفرد الأميركي بالعالم قد انتهى وخصوصاً في الشرق الأوسط، حتى لو نجحت واشنطن في «إجبار» بعض الأنظمة العربية على البقاء في فلكها أو التلويح بإمكانية ضعضعتها أو إسقاطها أو العمل على تفكيكها أو تغيير مراكز القوى داخل دوائر حكمها..
وإذا كان فخامة الرئيس الشيخ أحمد الجربا قد وضع لاءاته «الخمس» على جدول أعمال ائتلافه المتصدع والآيل للسقوط والانكشاف، متوهماً أن أحداً في العالم سيُصغي إلى خزعبلاته وأوهامه وخصوصاً تلك المتعلقة برفع النظام السوري للرايات البيضاء ودعوته وجنرالاته وأركان ائتلافه إلى استلام الحكم، فإن من اللافت في كل ما يجري على هذا الصعيد أن «قادة» الائتلاف، الذين باتوا بلا غطاء داخلي أو اعتراف حتى من فصائل عسكرية ضئيلة العدد والتأثير ميدانياً، لم يستوعبوا بعد حقيقة وأبعاد التطورات الميدانية والدبلوماسية التي حدثت في الأسابيع الأخيرة والتي هَمّشت من «الأدوار» والمهمات التي انيطت بهم، ولم تعد لديهم القدرة على القيام بأي خطوة استدراكية تحول دون شطبهم وتجاوزهم على النحو الذي حدث مع سلفهم «مجلس اسطنبول»، رغم ان الأخير أبدى نوعاً من «الفهلوة» عندما سارع رئيسه الخائب جورج صبرا الى التهديد بالانسحاب من الائتلاف اذا ما وافق هذا (الائتلاف) على الذهاب الى جنيف2، في محاولة مكشوفة للفت أنظار الأسياد علّهم بذلك يعيدونه ومجلسه الى الأضواء وإن بدت حظوظه (اقرأ أوهامه) في ذلك «صفرية».
الكلمات المنافقة والباردة التي أدلى بها كيري وهيغ عندما تمنّيا موافقة الائتلاف على الذهاب إلى جنيف2، لا تحجب حقيقة المواقف الآخذة في التبلور لدى عواصم دولية عديدة تجاه النفوذ والقدرة التي باتت عليها الجماعات الجهادية التكفيرية في سوريا وبخاصة داعش وجبهة النصرة، على نحو يُنذر بتفكك واختفاء عشرات الجماعات والتنظيمات والفصائل التي عملت على انشائها وتمويلها وتجهيزها ودائما تضخيمها إعلامياً، أجهزة استخبارية إقليمية ودولية، الأمر الذي تجلى في التوصيفات والمصطلحات التي شقت طريقها إلى التصريحات التي أدلى بها المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي عندما قال: انه بغير حضور معارضة «مُقْنِعة» فلن يعقد جنيف2 ثم ما لبث البريطاني وليم هيغ ان تمايز عن الإبراهيمي، ممتشقاً من إرث دبلوماسيته الاستعمارية وصفاً جديداً خلعه على المعارضات السورية قائلاً: إننا نواصل دعم المعارضة «المعتدلة»، وهي التي ستُدعى إلى جنيف 2.
ليست المسألة تعبيراً عن حرب مصطلحات، بقدر ما تعكس ارباكا وسقوطا للرهانات الكبيرة التي فضّلت دول الاستعمار الغربي (وبعض العرب) التورط فيها بعناد ومكابرة ورفضاً غبيّاً لاستخلاص الدروس والعبر من ديكتاتورية الجغرافيا وعِبَر التاريخ... قديمه والحديث، فضلاً عما تعكسه الوقائع الميدانية السورية والمعطيات السياسية والدبلوماسية المرافقة لهذه الازمة منذ اندلاعها.
الخيارات محدودة أمام ائتلاف فخامة الرئيس الشيخ الجربا, ومواصلته انكار الحقائق ووضع المزيد من الأقنعة على وجه ائتلافه المتصدع, لن يُعطّل قطار جنيف 2، حتى لو تصاعدت نبرة التصريحات المعلّبة التي يدلي بها كيري وهيغ حول دور الرئيس السوري المستقبلي, لأن التفاهمات الروسية الاميركية تجاوزت هذه المسألة بكثير، على قاعدة ان الشعب السوري هو الذي سيقرر في النهاية وان الأولوية هي لوقف شلالات الدم وعدم السماح لخروج الأزمة عن نطاق السيطرة ووصولها إلى نقطة اللاعودة, لأن أحداً مهما بلغت قوته وقدراته وخصوصاً ترسانته العسكرية، يستطيع وقف تداعياتها الكارثية على الجميع، وما المثال الصومالي الا نموذجاً سيئاً وبشعاً للمخططات القذرة التي استلّتها دوائر الغرب الاستعماري من الجوارير وراحت تطبقها بغباء وجشع وغطرسة ولمّا تزل الفاتورة مفتوحة.. كما هي الحال في العراق وافغانستان واليمن.
فهل هذا ما يريدونه في واشنطن وباريس ولندن وأنقرة؟
.. الجواب ليس عند فخامة الرئيس الجربا.. بالتأكيد.