قمة جدة الثلاثية


ليست زيارة مجاملة وإن كانت واجبة ، ولم تقتصر على العلاقات الثنائية رغم أهميتها ، ولم يكن هدفها تقديم الشكر والتقدير للعربية السعودية ، على مواصلة دعمها للأردن ، فالشكر موصول ولن ينقطع ، ولكن هذا كله شكل الأرضية والخلفية للزيارة ، ودوافعها ، ولما إنتجته من تأثير وتفاهم وتطلع .

إنها زيارة سياسية بإمتياز ، تظهر أهميتها من محدودية المشاركين وأهمية مواقعهم في صنع القرار السياسي الأردني ، والسعودي والأماراتي ، فالتطورات الجارية في المنطقة العربية ، وخاصة في سوريا بعد مصر ، تستوجب التوقف والتقييم ، من وجهة نظر الإتجاه المعتدل – إن جازت التسمية – لدى قادة النظام العربي ، وإتخاذ الإجراءات والسياسات الكفيلة بحماية الأمن القومي العربي – برضه – من وجهة نظر الإتجاه المعتدل في النظام العربي .

السعودية قادت سياسة عربية نحو سوريا ، وأحبطت بسبب إصتدامها بمعيقات سورية داخلية ، وإقليمية ودولية ، أدت إلى نتائج متعاكسة ، غير مسبوقة من سنوات ، تجسدت بالتفاهم الأميركي الروسي ، بإتجاهين الأول تدمير أسلحة سوريا الكيماوية ، والثاني عقد مؤتمر جنيف الثاني ، وهي خلاصة سريعة ، لم تكن في حسابات الأطراف المتصارعة ، وسرعة تغيير المسار بمائة وثمانين درجة ، فقد كان المشهد جاهزاً لتدخل عسكري أميركي ، وصل ذروته بتفويض الكونغرس للرئيس أوباما ، لتنفيذ برنامجه ضد سوريا ، أسوة بما حصل في كوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا ، ولكن بدون تدخل عسكري على الأرض ، حيث يقتصر التدخل على القصف لإضعاف قدرات الجيش السوري ، وترك باقي المهام لقوى المعارضة المسلحة كي تكمل المشوار نحو دمشق .

وفجأة كانت المبادرة الروسية ، التي قلبت المشهد ، وفجأة أكثر إنفرجت العلاقات الأميركية الإيرانية ، مما سبب حالة من الإرباك لمجمل الأطراف في المنطقة حتى لتلك الأطراف النافذة مثل تركيا والعدو الإسرائيلي .

وحده الأردن – بدون نفاق – كان رزيناً حكيماً حافظ على علاقاته مع كل الأطراف ، بتوازن وسعة أفق مما إستوجب ، من موقع النصيحة والتقدير والشراكة ، عقد القمة الثلاثية لوضع أرضية من التفاهم وتبادل المشورة والتوصل إلى صيغة بل صيغ من التحرك ، للحفاظ على مصالحنا الوطنية والقومية والإستفادة مما هم قائم ومما سيحصل من تطورات .

الأطراف جميعاً بحاجة لبعضها البعض ، فأمامنا عدو قومي مشترك ومشروعه الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، يحاول الأستفراد بالشعب العربي الفلسطيني ، وبمنظمة التحرير وقيادتها الوطنية وتهويد القدس والمس بالمسجد الأقصى ، وبقاء قطاع غزة محاصراً يلبي جوع حركة الإخوان المسلمين وجموحها بالإستفراد والهيمنة والسلطة ، وأمامنا السياسة الإيرانية التي تتصادم مصالحها في بعض الأوقات والعناوين مع مصالح بعض العرب إن لم يكن جميعهم ، وأمامنا ظروف التغيير والإصلاح بعد الربيع العربي ، وإستحقاقات القرن الواحد والعشرين ، وهذه جميعاً تحتاج دائماً ليقظة وتفاهم وتبادل المعرفة والتوصل إلى حلول وشراكة ، ومحطة جدة تصب في هذا السياق .

h.faraneh@yahoo.com