علي سنيد يكتب : الرئيس ذهب إلى العنوان الخطأ

أخبار البلد - مشاورات جادة يجريها دولة الرئيس معروف البخيت شملت كافة أنحاء الشعب الأردني كما هو معلن، وذلك  فيما يخص تشكيلة الحكومة الجديدة التي كلف برئاستها، ولسنا نعلم أين تدور رحى هذه المشاورات الهامة إلى الآن، وما هي الجدوى التي جناها الرئيس باقتصار مشاوراته على قوى تقليدية لا تستطيع أن تدعي أنها تمثل كل الشارع، وإنما هي تقفز على انجازاته، وكأنه يعتقد أن الحل بيديها هي وحدها، وأنها تملك زمام المجتمع، وصورته الحقيقية، واكتفى دولته بهذا الشكل من المشاورات، وغفل عن أصحاب القضية الحقيقيين ممن اكتووا بنار الغلاء، وارتفاع كلف المعيشة، ويتأثرون فعليا بوطأة الظروف الصعبة نظرا لما تعانيه مناطقهم من إهمال الحكومات، وعدم إدراجها على بند التنمية.

وأخشى أن يكون الرئيس المكلف بدد وقته وذهب إلى العنوان الخطأ، وقدم عروضا تم رفضها، وعاد بخفي حنين فلا هو كسب ود هذه الجهات، وسيخسر قادة المناطق، والوجهاء الذين أهملوا وتركوا بدون مشورة، وكأنهم لا علاقة لهم بجولة هامة من جولات العمل السياسي اقتضتها مطالباتهم التي وصلت فعليا حد التظاهر علنا.

والمشكلة أننا لم نتعلم مع الوقت، ولا نريد أن نعرف إيقاع المجتمع الذي عمل على تجديد قواه الحية، وهذا لا يقتصر على الأردن بل يمتد في المنطقة برمتها، ونستطيع أن نلمس دورا لقوى جديدة فاعلة باتت أكثر تأثيرا، ويجب فهم القضية من خلال الوصول إلى وعيها، وطبيعة تفكيرها، وان لا نظل نفكر بالسياق التقليدي الذي تخطته الأحداث.

فإلى أين وصلت مشاورات الرئيس المكلف الذي جاء في فترة استثنائية في إطار القرى المنسية، والمناطق النائية، وهل استطاع إعطاء قاطنيها تطمينات من أي نوع على قدرة الحكومة على العمل والانجاز وتخفيف حدة الظروف عليهم ام انه ما يزال على غرار غيره من الرؤساء السابقين مشغولا في إطار النخب السياسية،- وكثيرون منهم يديرون لعبة تدوير الكراسي طلبا للجاه والنفوذ-  ولا يتجاوزها إلى الشارع نفسه كي يعرف من يمثله حقيقة التمثيل. وهل يعتقد انه بإقناعه جملة من أغنياء وأثرياء في عمان الذين انتحلوا الصراخ باسم الفقراء سيحل المشكلة، أم أن أهل مكة أدرى بشعابها، وهل ستظل هذه المجموعات تحاور نفسها في حين أن الشارع اخذ ينحو نحو التطرف، ويفقد بوصلة وطنه من شدة ما يتعرض له من إقصاء، ولا تؤخذ تطلعاته العادلة بعين الاعتبار، وهل ستظل الوجوه هي ذاتها التي تغطي سطح المجتمع السياسي، والتداول يتم فيما بينها في حين أن حراك المجتمع مستمر في اتجاه مغاير.

السياسي المحنك يجب أن لا ينخدع على غرار السذج بالصورة الإعلامية التي قد تكون مكبرة عشرات المرات عن تلك الحقيقية المأخوذة للأحداث وقت وقوعها من خلال شخوصها الحقيقيين، وقد تلاعبت بها الأقلام بهدف صناعة الإثارة، والقرارات السليمة تبنى على فهم دقيق للواقع كما هو، وتتعامل مع تفاصيله اليومية، ولا تحوله إلى مادة للأبحاث والدراسات طويلة الأمد ، وبذلك تضيع الوقت، والمهمة. والحراك السياسي على صفحات الصحف مختلف تماما عما يجري في قلب الشارع الذي يعاني الإهمال، ولا يستمع كثيرا إلى الثرثرات، وإنما يبحث عن حلول واقعية لما يعاني، ويطلب قرارات تساهم في تصويب حياته المعيشية، وعدم توحش قوى السوق ضده، وإعادة ضبط الإدارة في خدمته كي يشعر بالكرامة فوق ترابه الوطني.

الأردني يحتاج إلى تأمين لقمة العيش، والى التدفئة، والعمل، والعلاج، والتعليم الجامعي، وان يجد الشباب فرص عمل تمكنهم من فتح بيوت جديدة، وقد وصل حد القهر من الواسطة التي تعمل في خدمة الأغنياء والكبراء، حيث الفقراء لا واسطة لهم، وقد تم الاستيلاء على حقوق البسطاء من خلال واسطات الذوات، والفقراء يريدون أن يشعروا أنهم ممثلون في وطنهم، وان كرامتهم محفوظة، فحتى فرصة النيابة تمكن الأغنياء من سرقة الأمل من الناس عندما استولوا بعدة آلاف من الأصوات المشرية على تمثيل طال الدوائر الانتخابية. وتدور كراسي الوزارات في إطار ذات النوعية من النخب الثابتة مما افرغ قلوب الناس من الأمل، وأشعرهم بالغربة، وحتى اقل المستويات الإدارية تم حرمان أصحاب الكفاءات منها  لصالح شخصيات مدعومة من جهات نافذة، وهكذا تولدت المشاعر السلبية في القلوب الوفية المؤمنة بهذا الوطن، والتي هي أولى بالاستماع إلى نبض قلوبها بدلا من إمضاء الوقت في حوارات مع جهات لا تملك كل الثمثيل.