هل ظلمتم النسور؟

تصدّر الشأن الاقتصادي أغلب نقاش رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، مع كتّاب الأعمدة ورؤساء تحرير الصحف اليومية بأمس. بينما حظي الموضوع السياسي، بشقيه الداخلي والخارجي، بنصيب متواضع. وربما يعكس ذلك، بحد ذاته، المساحة العظمى التي يحتلها الموضوع الاقتصادي ضمن اهتمامات المواطنين والدولة، وتأثيره على الأزمة العامة في البلاد!قدّم الرئيس مرافعة موثّقة بالأرقام في الدفاع عن حكومته، وما قامت به من "مهمة" إنقاذ للاقتصاد الوطني، وانتشاله مما آل إليه بسبب الأزمة المالية المتراكمة خلال الأعوام الأخيرة. وربما المكسب الرئيس الذي تحدّث عنه النسور يتمثّل في أنّ الحكومات كانت تعاني في نهاية كل شهر في تأمين رواتب الموظفين، فتقترض من البنوك، لكنها في العام الأخير (أي بعدما جاءت الحكومة الأولى للنسور) أصبحت تعاني من عدم القدرة على تأمين الرواتب، وانسداد الباب أمام الاقتراض الداخلي والخارجي أيضاً، ما كان يمثّل تهديداً حقيقياً للموازنة والاقتصاد الوطني!أمّا اليوم، وبعد اتخاذ قرار رفع أسعار المحروقات، فقد توفر للخزينة خلال شهر واحد مبلغ 750 مليون دينار. كما أنّ موجودات البنك المركزي من العملات الصعبة ارتفعت إلى قرابة 12 مليار دولار، بعد أن انخفضت في الفترة السابقة إلى 5 مليارات دولار؛ أي إنها زادت بنسبة 100 %.ويؤشّر النسور على ما وصلت إليه الأمور قبل أشهر بأنّ وزير المالية اضطر إلى الذهاب إلى مكتب مدير أحد البنوك، بوساطة محافظ البنك المركزي، للاقتراض بصورة استثنائية، حتى تتمكن الحكومة من تأمين جزء من رواتب الموظفين، وهي حال لم تكن قابلة للاستمرار أو التردد إزاءها.في المقابل، يرد الرئيس على القول بأنّ الحكومة تعتمد دوماً على جيب المواطن فقط، بالقول إنّ خيارات الحكومة محددّة، وبدائلها معدودة، ولا مجال أمامها سوى أن تتحول في دورها الاقتصادي نحو الاعتماد على معادلة مقايضة الخدمات والاستقرار والبنية التحتية وتسهيل الاستثمار، بالاعتماد على الضرائب والرسوم وتعزيز القطاع الخاص لخلق فرص عمل، ما يعني أنّ المعادلة الاقتصادية-السياسية التقليدية لم تعد ممكنة، كما يؤكّد النسور نفسه في السياق نفسه.يجيب الرئيس على وصف الحكومة بالجباية والاعتماد على المواطنين بالقول: إنه قبل رفع تعرفة الكهرباء وتحرير أسعار الوقود، طلب من النواب والآخرين تقديم بدائل لسد العجز، والتعامل مع أزمة الطاقة التي تمثّل اليوم "الثقب الأسود" في الموازنة، فكانت النتيجة أنّ كل ما قدّم من بدائل واقعية ممكنة التطبيق لا تتجاوز قيمته 200 مليون دينار، بينما المطلوب هو التعامل مع عجز أكبر من ذلك بكثير، مع أزمة مديونية وانسداد فرص الاقتراض. وهذا لم يكن ليتم تجاوزه، وحتى الحصول على شهادات تساعد على الحصول على المنح والمساعدات والقروض وجذب الاستثمار، لولا شهادة صندوق النقد الدولي بأنّ الاقتصاد الأردني يسير على الطريق الصحيحة.بالرغم من كل ما يقال عن الحكومة، وهو ما تحوّل لاحقاً إلى التندّر عليها؛ فإنّ الرئيس يصر على أنّ ما يقوم به هو مهمة وطنية تاريخية لإنقاذ الاقتصاد الوطني والمواطن على المدى البعيد؛ وإن كان بعض الناس يشعرون بالاحتقان والغضب اليوم بسبب السياسات الاقتصادية، التي يعترف الرئيس بأنّها مؤلمة، وأنّ قليلاً من الحكومات والدول تملك القدرة على القيام بها. ويراهن الرئيس على أنّ المواطنين سوف يتذكرون لاحقاً عند المحاكمة الموضوعية هذه الحكومة بصورة أكثر إنصافاً وموضوعية، عندما يتأكدون أنّه لولا هذه الخطوات والسياسات، ما كان الاقتصاد الوطني ليخرج من عنق الزجاجة، ولم تكن الفاتورة أقل فيما لو قررت الحكومة تأجيل هذه الخطوات!نترك التقييم والحكم للمواطنين بعد تقديم أهم معالم هذه "المرافعة الرقمية"؛ فيما إذا كان الشارع قد ظلم الرئيس، أم أنّه هو الذي ظلم المواطنين جميعاً