معاناة النواب
ربما لا يدرك الأردنيون الباحثون عن التوظيف أو النقل، أو الإعفاء الطبي، أو حتى الحصول على سرير في مستشفى حجم المعاناة التي يتعرض لها النواب في سعيهم لتحقيق مطالبهم سواء الفردية منها، أو العامة، وخاصة في شقها المتعلق بالتعيين وذلك في ضوء إلاصرار على عدم إحداث تعيينات جديدة في وزارات الدولة، وفقط تمرير دفعات من الدور في ديوان الخدمة المدنية، والايعاز للوزارات بإعادة تدوير بعض الموظفين عليها، وهو ما جرى من خلال إعادة توزيع 500 موظف من مجلس النواب الى شتى الوزارات والدوائر، أو بتحويل المسمى الوظيفي في وزارة التربية والتعليم إذْ أطلق بعض وزراء التربية والتعليم على الإداريين في الوزارة وصف " زوائد”، واخذوا بتذويب هذه الزوائد والتي تصل إلى حوالي 20 الف إداري ليعودوا مجددا لممارسة التدريس في الصفوف، وإلغاء الأسباب الموجبة لتحولهم إلى إداريين، وبذلك يصار إلى تقليص عدد الموظفين المطلوبين لسد النقص في شواغر المدرسين.
والأردنيون يتقدمون بطلباتهم اليومية إلى نواب دوائرهم، ويضغطون طلبا للتعيين، وتحول النواب إلى مصد طبيعي يقي الحكومة من ضغط الشارع، ولا يجد هؤلاء النواب -الذين اسقط في أيديهم- ما يجيبون به قواعدهم الانتخابية سوى بالترجي بالانتظار لعل فرجا يأتي في الأسابيع والأشهر القادمة، ومن النواب من هرب من وجه قواعده الانتخابية، واستسلم للنقد الجارح.
ومطالب الأردنيين في جلها بسيطة ولا تتعدى إحداث التنقلات سواء في التربية أو الصحة، أو في بعض الأجهزة، وباقي الدوائر والمؤسسات العامة، وهنالك معاناة حقيقية في التجاوب مع مثل هذه المطالب العادية، وقد تأكد لي من بعض ما سمعته من الوزراء أن هنالك توصياتٍ يتلقونها بعدم التجاوب مع النواب مع اعطاء ذلك بعدا اخلاقيا بالقول " تجنبوا الرضوخ لضغوط النواب”، وكأن هؤلاء النواب ليسوا الذين يبنون الجسر الشعبي الواصل بين الشعب والمؤسسات، والذين اذا ما جرى إفشالهم سيحدث ذلك الانسداد السياسي، وعندما يصار إلى التجاوب مع مطالب الناس من خلال نوابهم يفضي ذلك إلى تفريغ الشحنة الشعبية أولا بأول، ويتجنب الشعب حافة الانفجار، ويستثنى من ذلك المطالب غير العادلة التي تتعدى على حقوق الغير، او الاستيلاء على المكتسبات بشكل فردي.
أما قضايا الإعفاء للأمراض المستعصية لغير المأمنين، او النقل لحالات الضرورة، والحالات الإنسانية، او تغيير المسمى الوظيفي للمستحقين، او الحصول على بدل الإضافي والتنقلات، او العدالة في الحصول على الدرجة لمن تنطبق عليهم الشروط، أو حجز سرير في مستشفى، وكل ما هو في حدود الحقوق الطبيعية للناس، والتي يجب أن تصل إليهم بموجب العدالة والنظام، فالأصل أن يصار للاستماع لصوت النائب، ومنحه القدرة على تحقيق المطالب العامة، واعتباره جزءا من السلطة يتواجد بين الناس، ويستطيع ان يحل قضاياهم العالقة، ومنها ما يتعلق بإصلاح طريق، او إيصال خدمات الماء والكهرباء، او فتح مدرسة بشكل ملح، أو إضافة صف مدرسة، أو توفير الأدوات الطبية لبعض المراكز العلاجية، وقد تكون المطالب ابسط من ذلك ولا تتعدى وضع مطبات على شارع للحد من السرعات الجنونية عليه. أو تكون على شاكلة حل مشكلة معلمة من الكرك تزوجت في عمان ولا يزيد مطلبها عن نقلها إلى حيث يسكن زوجها.
والنائب الذي تصله في اليوم الواحد عشرات القضايا وربما يتحول تليفونه إلى مقسم من كثرة الاتصالات، والناس يصلون إلى مكتبه، وبيته وتصل مطالبهم إليه، وهو بحكم موقعه مطالب شعبيا أن يحل قضاياهم العالقة، وحملها إلى الوزارات والدوائر. وأمام واقع حكومي صعب يتحول النائب إلى اشبه بالمتسول، وقد يقابل بالسوء وربما يتم إخضاعه لإجراءات لا تليق بالنائب ومكانته الدستورية. وهو محط آمال الناس، وتتجمع لديه مع كل طالع يوم هموم ومطالب الناس وكافة قضاياهم، وعليه أن يطرق أبواب المسئولين كافة، فيتصل او يكتب المذكرات النيابية، او يصل المكاتب بنفسه، ويظل يواصل طوال نهاره باحثا عن الحلول التي تتطلبها القضايا في مكاتب الوزراء والأمناء العامين والمديرين.. ولينتظره عند عودته مساء الواجب الاجتماعي الذي لا يتوقف.
هو النائب الذي يعدّ جسرا شعبيا بامتياز، ويمكنه أن يبدد جذوة الغضب الشعبي، ويضفي أجواء التهدئة والاستقرار على الوطن، إذا تم إنجاح مهمته.
والى ذلك فيشعر بعض المسؤولين النائب بـأن قدومه حمل ثقيل عليهم، وأنهم يتحملونه على مضض، أو يحاول البعض الآخر أن يتجاهل وجوده، او يسوّف في التعامل مع مطالبه، والبعض لا يجيب على تليفونه، أو تنقطع الاتصالات دون جدوى، وهنالك معاناة حقيقية مع حكومة النسور لا تخطئها العين النيابية. وقد افشلت اكثر من محاولة لحجب الثقة عنها، والى ذلك فان نوابا أعلنوا ندمهم لأنهم وضعوا أنفسهم بمثل هذه المواقف المحرجة، وآخرين يفكرون جديا بالاستقالة. والنواب لا يطلبون المستحيلات، وإنما أن يكون الوزراء على قدر المسؤولية، وأكثر تجاوبا مع قضايا الشعب الأردني، فهذه المطالب هي قضايا عامة إذا تركت بلا معالجة أدت إلى تفاقم الأزمة الشعبية، واستثني من ذلك للأمانة بعض الوزراء كأمثال حازم الناصر الوزير النموذج.
معاناة كبيرة يتحملها النواب قد لا يدركها الأردنيون، وهم إنما يحملون مطالبا شعبية إلى حيث السلطة التنفيذية ليصار إلى تحقيقها، وهي في جلّها قضايا " توظيف، نقل، انتداب، توفير بعض المعدات والأجهزة للمراكز الطبية، توسعة الصفوف المدرسية، تفويض أراضي الدولة، إيصال خدمات الماء والكهرباء لبعض الأماكن، صيانة الشوارع او إضاءتها، او وضع مطبات جديدة، منح اعفاءات طبية، مساعدات للحالات الإنسانية، وبعض القرى تطالب بتزويدها بمجرد ارض مقبرة، أو فصل خط المياه حتى تقوى وتصل الى بقية الحارات.
سيدات طاعنات في السن يعترضن على قطع رواتبهن، وهنالك مطالب تنموية تتعلق بإقامة مشاريع موفرة لفرص العمل، او مشاريع صغيرة مدرّة للدخل، وتفعيل الخاصية الإنتاجية في المجتمع الزراعي”.
لا اقول، إنّ شيئا لم يتحقق، ولكن الحصيلة متدنية جدًا مقارنة مع تواصل مطالب الناس وتعميق معاناتهم.