االاردن ليس لنا سواه فاتقوا فيه الله !

الاردن ليس لنا سواه..فاتقوا فيه الله !
بسام الياسين

جرائم عنف عصفت بمجتمعنا الاردني في الآونة الاخيرة،هزت القناعة بمقولة "الامن و الامان". شعر خلالها الجميع برائحة الخطر تنبعث من شوارعنا، تلك التي كانت آمنة ـ ايام زمان ـ .موجات رعب تطاولت على الوطن الوادع ،وقلبت الموازيين،هزت كيان المواطن،ودبت الخوف في اوصاله،لان المُصاب اردني اينما حل و انى وقع،اذ ان شظاياه تصيب الاسرة كافة،تلك الشبكة المتشابكة،المنسوجة بخيوط قرابة الدم والنسب والمجاورة والزمالة والعمل من العقبة حتى الطرة.

*** مقتل نائب سابق،وتاجر مُسن في بيته،ثم العثور على جثة سيدة ثلاثينية في بئر مهجورة واختفاء طالب جامعي.جرائم صارخة تزامنت مع تهديد وزير لوقف حملته ضد سرقات المياه،و دكتور جامعي بسبب عدم ابتعاث اكاديمي على نفقة الجامعة،تبع ذلك قتل شاب عشريني في الشونة،وسائق تكسي في وادي شعيب وحرق سيارته ،اما عن المشاجرات اليومية بالاسلحة النارية والبيضاء فحدث ولا حرج.المقلق ان طاحونة العنف العبثي ومقصلة الاجتراء على المحرمات و الحُرمات تعملان على مدار الساعة،حيث ان النهايات الجرمية مفتوحة.اللافت المخجل ان "عداد الجرائم" سجل مجموعة جرائم في منتهى البشاعة، منها القتل رمياً بالرصاص.

*** في لغة شفافة ومحاولة كاشفة لرصد الجرائم التي طفت على سطح المجتمع،نلاحظ طغيان سلوكيات غير مسبوقة ولا مألوفة على شريحة ارتأت الخروج على القانون وتعاليم رب السماء.جرائم جعلت المواطن المسالم يعيش مأزقاً مع ذاته،ويضيق بمجتمعه،ويتساءل عن اسباب خلخلة مداميكه الصلبة، وتمزيق سلمه الاهلي،كاننا نعيش في شيكاغو الامريكية او ريو دي جانيرو البرازيلية ؟!. السؤال الملحاح : لِما التلاعب الدموي بالناس،والعبث بجينات الفطرة النقية وجوهر الانسان الطيب؟!.هل سلسلة الجرائم هذه فورة عابرة نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهجرات ام هي اعراض لامراض مستفحلة ؟!.

*** مخطيءُ من يظن انها قضايا فردية او عائلية او عشائرية او حكومية، بل هي قضايا مجتمعية شاملة، ناخرة للجذور،لا تقف عند حدود فرد او عائلة او عشيرة، انما هي سكين رعناء في يد اهوج تتخلل النسيج الوطني حتى العظم،لينخرط فيها الجميع شاؤوا ام ابووا،ويدفع ثمنها الكل توتراً وخوفاً و انتاجاً.فالذي يقتل آخر او يطلق النار على مركز صحي او يحرق منزلاً او يعتدي على شرطي، فانه يخرق السفينة ويُعَرّض الجميع للغرق.

*** النزعة الجرمية للقلة الشاذة تشي بخلل عميق في علاقتها العدوانية بالكثرة المسالمة،وتعكس حالة من التمزق النفسي الدفين التي تعيشه او تتعايش معه. لياتي الفعل الجرمي معلناً عدم رضا صاحبه عن ذاته وعن مجتمعه في آن واحد،اذ ان الجريمة بابسط تجلياتها، دليل خواء وليست دليل رجولة كما يعتقد الشاذ لانها تمثل ذروة انكساره الطفولي،وعدم إحساسه بكينونتة الانسانية : "من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً".

*** الشخص العدواني وان بدا صحيح الجسم قوي البنيان،الا انه معوق نفسياً، يحمل في داخله شخصية سلبية مهزوزة غير مطمئنة ،ابرز سماتها انها مضادة للمجتمع وقيمه و اعرافه. شخصية ضعيفة تعاني من ندوب نفسية عميقة متقيحة،و فصام بعيد عن ارض الواقع.هذا النموذج المعطوب ليس مكانه المجتمع و مؤسساته، انما مكانه الحقيقي مراكز التاهيل والمصحات النفسية للبحث عن الخبيء المستتر في اعماقه،وسبر اغواره لالقاء الضوء على علته،ليصار الى علاجه دوائياً وسلوكيا.اللافت ان كثيراً من "الشخصيات المريضة" تعيش بين ظهرانينا،بعضها يحتل مواقع يشار اليها بالبنان.فبالرجوع للاحصائيات الطبية،و اعداد المرضى النفسيينفي مجتمعنا، تدرك مدى الخطورة التي نعيشها،رغم ان المريض النفسي ليس بالضرورة ان يكون قاتلا، لكنه بالقطع عائقاً و مُعَوَقاً ومُعرقلاً.

*** بعد ان تراجعت هيبة الدولة،وصل الاداء الوظيفي ادنى درجات الوهن،وبلغ الترهل الاداري اقصى مداه، اصبح التطاول على الدولة طقساً يوميا،فيما ثقافة المواطن تمركزت على انتقاد النظام والمطالبة بتغيير الرئيس وتجريح مجلس النواب،واطلاق النكت على الاعيان.بمعنى التهكم على سوء الادارة .من هنا غدت الثورة الادارية ضرورة عاجلة بعد هذا الخراب،بعيداً عن المتداول الاداري مثل تلبيس الطواقي و اجراء المناقلات.

*** الثورة الادارية الجادة، تبدأ بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ضمن المعايير الادارية المعروفة حتى للعميان، كي يتحمل "الرجل المناسب" المغارم بشجاعة ومسؤولية،لا ان يقطف المغانم ويهرب خارج البلاد تحت جُنح الظلام،او يلوذ بعشيرته ليحتمي بها .يرافق هذه الالف باء الادارية،عملية كنس للرؤوس الكبيرة التي دابت على البحث المستدام عن مصالحها الذاتية،و ما يفرق الناس لا ما يجمعهم لتتسيّد عليهم.من هنا ما لم تتم توجيه ضربة قاصمة لرؤوس الفتنة ممن استئاثرت بالسلطة والثروة، فالبلد مرشح للمزيد من الفوضى.

*** قضية الوطن اليوم هي قضية المستقبل اولا و اخيرا. ركائزها الوعي المستنير القائم على العلم والفكر والثقافة المتجددة و الايمان بالتحديث،لهذا لن يتم الولوج للمستقبل الا بـغربلة الادارة الحالية من تجار الشعارات البلاغية،و ادعياء الوطنية الذين يختبئون وراء الولاء والانتماء للتنصل من المسؤولية و مراكمة المكاسب وضمان ديمومة بقاءهم في مواقعهم. فالتغيير المنتج يبدأ باحلال الشباب الواعي المنفتح على المستقبل مكان اولئك المصابين بالزهايمر السياسي،وانتهت مدة صلاحيتهم الفكرية التي لا تتساوق مع زمن التكنولوجيا الحيثة، ولا تواكب قفزات اجيالها السريعة.

*** التحديث منهج في الارتقاء بحاجة لحداثيين محسوبين على المستقبل،لا مسؤوليين احاطوا انفسهم بهالات كاذبة من الاستعلاء،واستقطبوا بطانة من المتزلفين للدفاع عن سلبياتهم والتغطية على خطاياهم.ما زاد الطين بلة اتباعهم سياسة اغلاق الابواب بدلا من فتحها على مصاريعها،و اسقاط قانون العقاب"المحاسبة والرقابة" للمقصرين،و الغاء "قانون الثواب" للمبدعين والمبتكرين،و الاستعاضة عنهما بجوائز ترضية وظيفية للمنافقين و ابناء المنافقين. مما ولّد نقمة عند الاكفاء المتميزين،و التفكير بملاذات تحترم تفوقهم.

*** ان انكار ما نحن فيه من مشكلات يفاقمها اكثر،ويجعلنا نخسر المستقبل كما خسرنا حاضرنا.فهناك تزايد مقلق لانماط من السلوكيات المعادية للمجمتع،قتل،مشاجرات جماعية تطورت من التراشق بالحجارة الى الرماية بالاسلحة النارية ،مخدرات،تفكك اسري،رشوة،واسطة ،محسوبية،سرقة،تخريب، حرق،ثأر،تهديد، ازدياد حالات الطلاق،زواج قاصرات، ظهور البغاء للعلن.يقابل ذلك: اخفاق الأسرة،فشل المدرسة،تردي الجامعة،ضعف تاثير المنابر الدينية لاعتلائها انصاف المتعلمين،غياب المنابر الثقافية التي تبث روح الوعي،انفلات الملاعب من ميادين لسمو الروح الرياضية التشاركية الى ساحات ردح و تجريح.

*** ما العمل اذاً في ظل هذا السواد المدلهم ؟. بادئ ذي بدء لا بد من رسم خطط مستقبلية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى،ثم اقتحام هذه المشكلات،وفتح نوافذ الامل رغم المعوقات الجسيمة.هذا المفتتح يقع في صميم عمل الارداة السياسية و الادارة العليا من اجل اتخاذ قرارات مفصلية جادة ثم تنفيذها بقوة القانون. لكننا لن نصل الى الحلول المرجوة لمشكلاتنا، الا بوجود مناخ سياسي يتميز بالحرية والديمقراطية والشفافية والمُساءلة والمحاسبة وسيادة القانون،لتكون مصلحة الوطن فوق الجميع.


*** الجريمة الكبرى ان كل هذه العوامل غائبة تماماً،ناهيك ان اعمال الحكومات المتعاقبة في مواجهة المشكلات العويصة منها وحتى البسيطة قائمة على ردود الفعل،لاعتمادها طريقة المقاولة تارة و المياومة تارة اخرى.من هنا كان "نظام الفزعة" و"الحل بالقطعة" البعيد عن التخطيط العلمي المستقبلي مقتلنا و فضيحتنا....اللهم فاشهد !!!.

مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين