وطن يتأرجح تحت ضربات التوريث

من حق الجميع أن يكونوا كما يشاؤون.. هو حلم خاص، وكفاءة واقتدار يجب أن تمرر عن طريق القانون لكن التوريث والنسب والقرابة حين تكون معياراً لشغل المناصب والترقيات، وفرص التوظيف يصبح الوطن مزرعة وملكية خاصة، ويصبح المواطن ريشة تتقاذفها الأهواء والفقر والبطالة التي لا تسري على أبناء الذوات , منذ سنوات طويلة برزت ظاهرة توريث المسئولية فضلاً عن الوظيفة التي باتت محجوزة للأبناء والأقارب لقد وصلت المسألة حد التوريث المباشر والقيام بدور التسليم والاستلام من الأب السلف الى الابن الخلف!!
وحدهم أبناء الذوات تفتح لهم الأبواب المغلقة ومن غير خدمات مارد السندباد ومصباح علاء الدين السحري بينما في وجه الاخرين حتى لو كانوا من اصحاب الكفاءات أوصدت كل الأبواب حين نشير في جولة سريعة إلى وباء يتسلل لكتم أنفاس .. والوطن في اعتقاد متنفذين هو: لذواتهم ومصالحهم وامتيازاتهم المسروقة.
لأولئك الوارثين تنتصر القرارات فيسقط الوطن في مهب التوريث حتى وان قالت مادة الدستور: المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة يتهامس الناس بصوت مسموع مطالبين بالمساواة.. والعدل.. والقانون.. والدستور.. الكعكة لم تضق الى حد هذا التكالب الرسمي على حقوق المواطنين... لكنه وطن يضيق في نظر أبنائه حيث تحولت الوظائف الأثيرة الى مناصب مغلقة بحسب التوريث للابناء والأقارب والانساب والاصهار ؟!
نحن في الاردن بحكم دستورنا نؤمن بتوريث الحكم لا الوظيفة، لكننا اليوم بعد (92) عاماً نشهد اتجاهاً لتوريث الاثنين معاً توريث الحكم، وتوريث الوظيفة والمسئولية.. وإذا أردتم المزيد فأقرأوا تركيبة المجالس النيابية والعينية والوزارية وفي بعض الاحيان العسكرية والامنية اما الدبلوماسية فحدث ولا حرج وهي حكر لاشخاص يعيشون في جزر معزوله عن الاردن
تحسس اوراقك الثبوتية أولاً.. دع المؤهل جانباً فلربما كان عائقاً امام حصولك على ما أعده الدستور الاردني حقاً يتساوى فيه الاردنيون من الرمثا الى العقبة.. بطاقتك جديرة بالفحص.. ابدأ من اسم ابيك ثم جدك فقد يكونان قادرين على ايصالك قبل الغروب الى المنصب الذي تريد , نعم منذ زمن أصبح مظمون الحقوق والواجبات مجرد شعار وملكية خاصة لابناء الكبار
إن كنت ممن سبق لآبائهم الحظوة فلست ملزما بفعل شيء عدا انتظار قرار رفيع بتعيينك ربما رئيس حكومة او وزيرا أو رئيساً لمؤسسة هامة او امين عام وزارة أو حتى عضو مجلس نواب أو أعيان!! أما أبناء الحراثين والرعيان والعسكر سيبقوا رابضين في زوايا مهملة يحملون ملفات شهاداتهم ووثائق تخرجهم الجامعي بانتظار ليلة قدر ربانيه انهم رعية وكمبرس وطني بلا سند، خياراتهم مرة وكل الأبواب الى الوظائف العليا بالنسبة لهم محفوفة باحلام اليقظة.. وما سيفتح منها سيحتاج الى جن سليمان.

المواقع العليا مغلقة امامكم أيها الحراثون والمناصب الادارية التي ينص عليها القانون ليس من حقكم التدرج فيها ثمة آخرون من جيل المسئولين الجدد منهم من حازها ومنهم من ينتظر استكمال دراسته الجامعية في الخارج ليأتي مسئولاً عليكم ستخوضون موجة خداع للذات والواقع إن انتظرتم إنصاف القانون، او سقطتم في رهان مادة دستورية تؤكد أن الوظيفة العامة حق لكل مواطن أردني ذلك محض خيال يكذبه الواقع.. كل الشروط التي يصنعونها ستسري عليكم، بينما هم لـضرورة وطنية يحصلون على كل شيء نعم أيها الفقراء والكادحين والمتعبين البطالة علقناها أوسمه على صدوركم تتسع وتتمدد حسب بوق الحكومة، ستلتهمكم جميعاً او معظمكم وهم جميعا يلتهمون حقكم في التوظيف وحقكم في الترقية وحقكم في منصب إداري طالما أجهدتم انفسكم في مضمار العمل للوصول إليه.
محنة البطالة التي تتحدث عنها الاحصائيات، والجامعيون وأصحاب الشهادات العليا من الأرقام المحشورة في دروج وشوالات ديوان الخدمة المدنية والتي وصل عددها 300 ألف طلب ليس بينهم أحد من ابناء الذوات وخرجوا علينا بقانون الوظائف العليا في عهد حكومة النسور واول ما شطح نطح بدأ بتعيين نجله وتعيين نجلين من أبناء رؤساء وزارات سابقين وكذلك تعيين وزيرة لنجل رئيس وزراء سابق للاسف ان الوطن أضحى مزرعه وحاكورة لابناء رؤساء الوزارات والوزراء والباشاوات والشيوخ والوجهاء وهكذا وعلى الكادحين عدم الاقتراب من هذه المناطق المحرمه توريثيا.
لقد تجاوز الأمر الحصول على وظيفة، وبات كل مسئول أو وزير أو قائد عسكري وأمني حريصاً على أن يضفي على "ولي عهده" الميمون مسوح المنصب والمسؤولية قبل ترك كرسيه ليتلذذ الابن من تلك التي ذاق طعم حلاوتها والده ولا يزال لاننا نمر في عصر السرعة عكس نفسه على هؤلاء في هضم السلم الوظيفي في أقل وقت زمني وصار من المألوف أن ترى شاب ابن مسؤول كبير لم يكمل عقده الثالث يتبوأ أعلى المناصب في قيادة المؤسسة أو الهيئة أو الإدارة أو الوزارة بفضل خدمات والده او جده وشاهدنا هذا المشهد التوريثي ان الجد والاب والحفيد تبواوا منصب رئاسة الوزراء لابل ان حفبد الابن من جهة الام كان رئيسا للوزراء ايضا , أما أبناء الشيوخ فنحن امام توريث اسماء سيتم تداولها على البند الفرنسي من لويس الاول الى لويس السادس عشر وشاهدنا هذا في المجلس النيابي الحالي فالجد في المجلس التشريعي الاول والحفيد في المجلس النيابي السابع عشر .
يكذبون علينا وعلى ابنائنا حين يقولون بأن الوظيفة حق عام لجميع المواطنين بلا تمييز حتى القانون يكذب حين يتحدث عن مبادىء نصَّ على أنها أساسية بينما الواقع يشهد أنها ثانوية ولا مساحة لها في التطبيق ماذا يعني القانون حين يؤكد فيما نص عليه ما اسماه بالمبادىء الأساسية، اذ يقول: بأن الوظيفة العامة تكليف والإخلاص فيها واجب وطني تمليه المصلحة العامة، هدفها خدمة المواطنين بأمانه وشرف وتغليب الصالح العام على الصالح الخاص، تؤدى طبقاً للقانون والنظم النافذة؟!
ألا يبدو قانون الخدمة المدنية مخادعاً اذ يؤكد بأن شغل الوظيفة العامة يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية لجميع المواطنين دون أي تمييز، وتكفل الدولة وسائل الرقابة على تطبيق هذا "المبدأ".قد يكون هذا القانون أعد للتطبيق في أي بلد لكن الواقع الاردني يتبرأ منه جملة وتفصيلا وليفتح الارادنه ارشيف الوظائف العليا من سنة 1921 وحتى 2013.
للاسف شباب لم يتعدوا عقدهم الثالث بعد، تجاوزوا أسوار القانون وحواجز المساواة" الدستورية ليتربعوا على كراسي الوزارة وأساتذة اكاديميين تجاوزوا السبعين مخضرمين يجلسون خلف قضبان الجامعات ينتظرون فرج كوتا وزارية أو نيابية؟ واين كان مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية، الذي يخدعنا به القانون لو لم يكن أبوه وزيراً لكان مقياساً للتفوق.. ألم يصعَّد الى هذا المنصب بهذه السرعة الصاروخية بقوة دفع أسرية على حساب حقوق موظفين وخبراء اننا امام مشكلة بات السكوت عنها تواطؤاً ضد الوطن ومستقبل جيل بأكمله يتطلع الى وطن مزدهر يسود فيه القانون والدستور وتعلو فيه قيم المحبة والمساواة والعدل..
لم تعد هناك ميزة مجبرة على المساواة كوننا أبناء وطن واحد إسمه الاردن وليست مسؤولية القانون الذي حدد طبيعة الإرتقاء والتنافس في مجال الوظيفة والمنصب.. أنك مقصي عملياً عن التنافس عوضاً عن مزايا ومميزات، لو كدحت عمراً كاملاً لن تطالها القانون يمكن ان يفاخر به كنص، والدستور كتيب جميل يزين أروقة مكاتبنا لكنهما مقصيان عملياً عن الفعل لانهما معطلان وتم وضعهما في فريزر التجميد
وبينما تستأثر جماعات التوريث بكل شيء، يضيع الوطن ولا يبقى منه سوى فتات تشبه نتف اللحم العالقة بين أنياب متوحشة يُنهب الوطن وتعيث مافيا الفساد بتلافيف مقوماته.. تسود شريعة الغاب.. وتعلو جعجعة"القوي" على طحن الضعيف المنتج. يتكالبون على وظائف الدولة العليا منذ زمن وخريجون مؤهلون في الداخل والخارج يلهثون وراء فرصة عمل مبعثرة وضائعه ، في معركة يائسة لسَدَّ الرمق.. بات الوطن كعكة تشحذ مراكز قوى أوجدتها الظروف وحسابات "شخصية" سكاكينها للظفر بقطع مناسبة بحسب المقاسات وأحجام النفوذ الوطن ليس شخصاً يخضع الجميع لحساباته وإعتباراته ،لكن لا داعي للمزايدة بإسم الديمقراطية والعدل والمساواة وجميعها مفقودة، والتداول "السلمي" للسلطة قائم بالتوريث بين الآباء والأبناء وأصبحنا بحاجة الى حملة لمنع توريث الوظائف ونتباكى على قانون لمنع التوريث في الوظائف العامة لان التوريث احد اسباب انهيار مؤسسات الدولة ويولد الحقد والعنف ويدفن العدل في كافة مسمياته فانقذوا الوطن من مهب التوريث.