النواب والتقاعد ومبدأ الأمة مصدر السلطات
توخَّينا في هذه المقالة أن نجمل أشد الإجمال في معنى مبدأ الأمة مصدر السلطات، لنوضِّح إلى القارئ، الموقع القانوني للنائب، في ضوء هذا المبدأ، وبعدها نُعرِّج على موضوع تقاعد النواب الذي نحن بصدده.
ونقول إن جوهر الديموقراطية في العصر الحديث يكمن في أن الأمة يجب أن تكون مصدر السلطات. بمعنى أن السيادة في الدولة، يجب أن تكون للأمة، باعتبارها شخصاً معنوياً -قانونياً- له كيان مستقل عن الأفراد الذين يكونونها. وتطبيقاً لهذا الاتجاه نص الدستور الأردني على هذا المبدأ في المادة 24 بالقول «الأمة مصدر السلطات، وتمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبيَّن في هذا الدستور».
وقد استقر التطوّر، إلى أن الأمة لا تباشر هذه السيادة بذاتها، بل لا بدَّ أن تنتخب أشخاصاً ليقوموا بهذه المهمة نيابة عنها. ومن هنا ظهرت المجالس النيابية والحكومات البرلمانية والأجهزة القضائية، لتقوم بهذه المهمة.
وعليه عندما يقوم مجلس النواب المنتخب، بمباشرة أعماله في التشريع والرقابة، فهو يقوم بذلك، نيابة عن الأمة. وهنا يقوم التساؤل عن مفهوم الأمة. من هي هذه الأمة التي يمثلها هذا النائب؟
والرأي الراجح في المفاهيم الدستورية، هو أن الأمة لا تشمل مجموع الناخبين الذين قاموا بانتخاب النواب فحسب، بل تشمل جميع الأفراد من ناخبين وغيرهم، كما تشمل أيضاً الأجيال القادمة.
وتمشياً مع هذا المفهوم الواسع للأمة، ليس من المستغرب أن تأتي الدساتير، بنوع من الحواجز أو الكوابح (الفرامل)، لتضعها في مواجهة الأغلبية النيابية، من أجل تأجيل تنفيذ الرغبات (أو لنقل النزعات الوقتية للأغلبية البرلمانية) وذلك حتى يتم التأكّد من أن تلك الرغبات، إنما تعبِّر عن إرادة ناضجة ومستقرة، وهي التي تمثل الإرادة الحقيقية للأمة، وهي التي قد لا تجد دائماً تعبيراً صادقاً لها في النزعات العاطفية الوقتية، أو الشطط في اتخاذ القرارات المتسرِّعة من قبل الإغلبية البرلمانية.
وفي هذا الشأن أورد الدستور الأردني بضعة كوابح من أجل الحيلولة دون نفاذ رغبات الأغلبية البرلمانية، التي قد تكون طائشة في بعض الأحيان. (ونقول طائشة اتفاقاً مع ما قاله النائب العماوي، عشية تمرير قانون تقاعد النواب، حيث قال إن الموافقة على ذلك القانون، بتلك الصورة، كان غلطة لا تغتفر).
ومن هذه الكوابح ما يلي:
أولاً: لزوم تصديق الملك على القوانين: وفي هذه المسألة، للملك حق الاعتراض التوقيفي، فيما يتعلق بالقوانين العادية. بمعنى أن له الحق بإعادة القانون العادي إلى البرلمان، دون التصديق عليه، ليصار إلى تمحيصه ومناقشته من جديد، إذا ما رغب البرلمان في السير باتجاه سنّ القانون. أما بالنسبة للقواعد القانونية الدستورية، التي قد يرفعها البرلمان للتصديق عليها من قبل الملك، فإن الدستور قد منح الملك صلاحية مطلقة بالتصديق عليها أو عدم التصديق (مواد 93، 126 من الدستور).
ثانياً: شراكة مجلس الأعيان في التشريع: أوجد الدستور جسماً ثانياً إلى جانب مجلس النواب، ليشارك في العملية التشريعية، وهو مجلس الأعيان، الذي يتشكَّل كله عن طريق التعيين، ويوصف أنه مجلس العقلاء والحكماء. والمأمول من هذا المجلس أن يعيد التوازن إلى مشروعات القوانين التي ترفع إليه من مجلس النواب، فهو بمثابة صمام الأمان في مواجهة أية شطحات من قبل مجلس النواب. بمعنى أنه قد أصبح من مهام هذا المجلس ألا يسمح بصدور أي تشريع لا يمثّل الاتجاهات المستقرة لدى الناس، فإذا لم يقتنع برأي مجلس النواب، فإنه يمكن القول حينئذٍ، بأن الإرادة الحقيقية للأمة لم تنضج أو لم تظهر بصورة مستقرة.
ثالثاً: حل مجلس النواب: منح الدستور (في المادة 34/ 3) الملك، صلاحية حل مجلس النواب، في أي وقت من أوقات عمر المجلس البالغة أربع سنوات. ولم يرد في الدستور أي قيد على هذه الصلاحية، إلا إذا حُلَّ مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حلُّ المجلس الجديد للسبب نفسه (مادة 74/ 1 من الدستور).
وكما يبدو أن إمكانية حلّ مجلس النواب، تعتبر من أهم الآليات التي يمكن أن تكبح جماح المجلس، والتي قد تحول دون شطط المجلس، وتخطي الإرادة الحقيقية للأمة.
وفي هذا السياق، نذكِّر مجلس النواب، بأن الملك، كان قد نوَّه، بأن استمرار مجلس النواب، يرتبط برضاء الناس عن أداء المجلس.
وفي هذه النقطة، فليسأل النواب أنفسهم، هل رضي الناس عن قانون التقاعد، الذي ختموا به أعمال الدورة، وجعلوه بمثابة مسك الختام؟!!!
رابعاً: الرقابة الشعبية: أورد الدستور هذا النوع من الرقابة في المادة 17، وهذه الرقابة أصبحت من الأدوات الفاعلة -على مستوى العالم كله- في توجيه السلطات العامة، للوجهة التي ترغبها الأمة. وفي هذه المسألة كلام كثير، والغوص فيه يخرج عن مضمون الموضوع الذي نحن فيه. ولكن فليتفضَّل النائب منكم، وليذهب إلى أية مسيرة من مسيرات يوم الجمعة، وليسمع ما يقوله الجمهور، أو فلينزل إلى الشارع -أي شارع- وليسأل المارّة، بل لماذا لا يرجع الواحد منكم إلى دائرته الانتخابية ليسأل الذين انتخبوه، وليسمع الإجابة عن هذه المسألة.
خامساً: الرقابة الصحفية: أورد الدستور هذا النوع من الرقابة في المادة 15. ورقابة الصحافة أفعل وأشد تأثيراً من الرقابة الشعبية. وفي موضوع تقاعد النواب، لم ترد في الصحافة الأردنية، سواء الموالية أو الوسطية أو المعارضة، مقالة واحدة -بما في ذلك مقالات بعض النواب الذين كتبوا في الموضوع أو صرّحوا للإعلام- لم ترد، لتمتدح ما دبّج النواب لأنفسهم من مغنم من خلال سنّ ذلك القانون.
وبعد نقول للقارئ، إننا نتكلم عن رفع راتب تقاعد النائب من 1500 دينار إلى 3000 دينار، وللموضوع تكملة.