التعريف بقضاء المظالم


المظالم لغة جمع لكلمة ظلامة أو مظلمة، وتعني الجور ومجاوزة الحد.
وفحوى قضاء المظالم أنه يفصل في الخصومات التي تنشب ما بين أفراد عاديين وبين كل ذي قوة ونفوذ سواء استمد قوته هذه من عمله الوظيفي أو من مكانته الاجتماعية.
وبتعبير آخر أن قضاء المظالم قائم أساساً على عدم وجود تكافؤ بالخصومة بين طرفي النزاع:- فهذا الطرف فرد عادي ضعيف، وذاك خصم قوي متنفذ، وقد يكون هذا الخصم الدولة أو إحدى دوائرها أو مرسساتها العامة، والخصومة مع هذه الجهات أضحى في الزمن الحاضر الاختصاص فيها لمحكمة القضاء الاداري وأساسه مستمد من قضاء المظالم مع الاختلاف في التسمية فقط.
ويقال أن قضاء المظالم أول ما نشأ عند العرب في الجاهلية فرضته ظروف وحوداث جعلت عليّة القوم وعقلاءهم يسارعون إلى إيجاد حل مناسب يحدّ من تعدّي بعض ذوي القوة والجاه على الضعفاء والمستضعفين.
فمن صور الظلم الذي كان سائداً عند عرب الجاهلية هذه الواقعة على سبيل المثال، وخلاصتها:- [ أن رجلاً من اليمن قدم مكة معتمراً ومعه بضاعته، وقد وقف على جبل "أبو قبيس" من جبال مكة عند طلوع الشمس وأخذ ينادي بحرقة وألم:- يا آل مكة! يالقصي ! بضاعة لي اشتراها مني العاص بن وائل، وامتنع عن إعطائي ثمنها أو ردها إليّ، وكان العاص من سادات قريش وأشرافهم ]، وحدث نفس الشيء مع آخرين.
وصور متعددة من الظلم الذي كان سائداً في الجاهلية قد عبّرت عن ممارسته وقتئذ المقولة:- [ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ]، وقول الشاعر الجاهلي:-
وما أنا إلا من غزيّة إن غوت غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
وإزاء هذه المظالم التي كانت سائدة بالجاهلية تنادى عقلاء القوم إلى عقد حلف بينهم سمي بــ " حلف الفضول " تحالفوا بموجبه وتعاهدوا ليكونوا يداً واحدة مع المظلوم ونصرته على الظالم حتى يؤدي إليه حقه، وكان هذا الإجراء إيذاناً بظهور قضاء المظالم.
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) كان قد حضر انعقاد هذا الحلف قبل بعثة النبوّة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقال فيه بعد بعثته:- [ لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول ما لو دعيت إليه لأجبت ].
وفي زمن الدولة الاسلامية كان الخليفة هو المتصدي للفصل في المظالم، وأن العديد من الخلفاء والسلاطين جلسوا للفصل في المظالم أو ممن لهم ولاية عامة كالوزراء أو الأمراء في الأقاليم.
ويستدل من هؤلاء أن من المميزات التي ينبغي أن يتصف بها قاضي المظالم أن يكون عظيم الهيبة، وجليل القدر، ونافذ الأمر، ومن ذوي القوة والنفوذ والجاه.
فعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة أكد في خطبته الشهيرة المميزات التي ينبغي أن يتصف بها من يتولى القضاء والحكم حيث جاء فيها:-
[ أيها الناس اني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم:- الضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ له حقه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم ].
ومن شواهد قضاء المظالم في عصر صدر الإسلام:-
قضية القبطي المصري الذي اشتكى إلى الخليفة عمر بن الخطاب عندما تعرض للضرب من ابن عمرو بن العاص والي مصر وقتئذ، لكون القبطي تقدم عليه في سباق، حيث انتصر له الخليفة وقال عبارته الخالدة:- (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
كذلك حادث قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة المرتد عن الإسلام وزواجه من امرأته في حروب الردة، حيث نظرت القضية من الخليفة أبي بكر الصديق، وكان عمر بن الخطاب قد طلب من الخليفة عزل خالد عن قيادة الجيش إلا أن الخليفة لم يستجب لطلب عمر وقال إن خالد (تأول) أي اجتهد فأخطأ، وأضاف (لا أغمد سيفاً سله الله على الكافرين).
وبناء على ذلك فإن الخليفة لم يعتبر تصرف خالد خطأ شخصياً وإنما هو بمفهوم القضاء الإداري خطأ وظيفي أو مرفقي إداري.


مهام وصلاحيات ديوان المظالم:-
في عام 2008 صدر في المملكة قانون ديوان المظالم رقم 11 لسنة 2008 تضمن تأسيس ديوان المظالم، يتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري ويتولى إدارته رئيس برتبه الوزير العامل ويعاونه مساعدان يؤديان المهام والصلاحيات التي يفوضها لهما الرئيس.
ومن مهام الديوان النظر في الشكاوي المتعلقة بأي من القرارات أو الممارسات أو الاجراءات التي تصدر عن الادارة العامة من الدولة أو من موظفيها.
ولا تقبل الشكوى إذا كان مجال الطعن بها متاحاً قانوناً أمام أي جهة إدارية أو قضائية أو كان موضوعها منظوراً أمام القضاء أو جرى صدور حكم قطعي بها.
ويحق لأي متضرر من أي من قرارات الادارة العامة أو اجراءاتها أن يتقدم بالشكوى في مواجهة الادارة العامة إلى ديوان المظالم.
وغني عن القول أن الديوان غير مختص بالنظر في الشكاوي بين الأفراد، وتنحصر الخصومة بين المشتكين مع الادارات العامة للدولة.
ومتى قدمت الشكوى وتبين لرئيس الديوان وقوع مخالفة قانونية من الادارة العامة أو تعسف أو خطأ فإنه يعد تقريراً بذلك ويرسله إلى الادارة المشكو منها مع التوصيات التي يراها مناسبة.
وإذا لم تقم الجهة المشكو منها بالرد على مذكرة الرئيس أو امتنعت عن تزويده بأية من الوثائق أو المعلومات المطلوبة فللرئيس مخاطبة رئيس الوزراء بذلك لاتخاذ الاجراءات اللازمة.
ويتضح مما تقدم الفرق الكبير والاختلاف بين قضاء المظالم وبين اجراءات ديوان المظالم التي تنحصر في توجيه توصيات للفصل في موضوع الشكوى، وبتعبير آخر فإن دور الديوان يمكن وصفه بدور " الوساطة " لتسوية الخلاف طالما أن القانون لم يُخوّل رئيس الديوان إصدار قرارات ملزمة وبالتالي لا يعتبر دور الديوان قضاء مظالم.