آلام.. بطعم الوطن

مثيرةٌ للعجب تلك التأوهات المشبعة باللوعة التي طالعتها في تعليقات الجمهور الأردني على حكاية ذلك الطفل المشلول الذي قضى إثر نهشه حيا من قبل كلب حراسة «مدلل» في أحد منازل عاصمتنا المترفة، في ساعة غفلة لا يمكن تبريرها من ذويه.
مصدر التعجب ليس الحادثة بحد ذاتها؛ فبشاعتها كفيلة بزعزعة كل صخور الدنيا الصماء، ولكن مصدره ينبع من تجاهل أولئك المتأوهين لحجم وعمق التشابه بين هذه الحالة المروعة، وواقعنا العام الأشد بشاعة وترويعا.
في وطننا الحبيب ثمة نظام سياسي متكامل استمرأت أطرافه (وما تزال) تنهش أجسادنا وكراماتنا وقوت عيالنا مرارا وتكرارا، وبتلذذ لا يغفل عنه إلا مُغّيب، بحجج أوهى من خيوط العنكبوت تارة وبدون حاجة للتبرير تارة أخرى، ونحن إزاء هذا النهش الممنهج نراوح بين التأوه الخشن والتأوه الناعم، متقوقعين في حالة مزمنة من الشلل.
المفارقة أن طفلنا الشهيد (نحسبه كذلك)، أقعده شلل مقدّر لا خيار له فيه عن الذود عن جسده وروحه، وأجزم أنه قاوم بكل ما تيسر له ولو بعينيه؛ أما نحن (شعباً ونُخباً) فشللنا اختياري معيب نحن أصحابه وعلينا وزره شئنا أم أبينا.
غافل من ظن أن التأوهات (ناعمها وخشنها) قادرة على ردع أولئك الذين بات ديدنهم سحق حقوق العباد وامتهان كرامتهم والتسلط على جيوبهم لإطعام وحش الفساد الذي لا ولن يشبع، وجاهل من يحسب أن البقاء في ذات الدائرة المفرغة التي نحن فيها سيفضي إلى إصلاح أو صلاح من أي نوع أو لون.
الحقوق تنتزع انتزاعا، تلك هي البديهية التي تمخضت عنها كل التجارب التاريخية القديمة والمعاصرة، وهو ما يوجب علينا، الخروج من أتون شللنا الاختياري غير المبرر، وإلا فمصيرنا التأوه إلى ما لا نهاية.