حي الطفايلة – القصة الضائعة
"اتمنى ان يتخلى شبابنا القائمون على ادارة شؤون البلاد عن النظر للبلد وابنائها نظرة المستشرقين "..
حي الطفايله ..حراك مستمر...حوار غائب.. ولا احد يعرف الروايه الكامله.
بداية لمن لا يعرف الحي فهو الاسم الذي اطلق على المنطقة المقابلة للقصور الملكيه من الجهه الجنوبية....وقد اقيم الحي على الاراضي الواقعة بين جبلي الجوفه والتاج ويبلغ تعداد ساكنيه قرابة الثلاثين الف نسمة جميعهم من اهالي قرية عيمه.
بدأ تشكل الحي في الثلاثينيات من القرن الماضي ...ومع ان اهالي الحي من عشائر الثوابيه قد وصلوا الى عمان مبكرا الا ان هجرة الكثيرين منهم كانت موسميه ولم تنقطع علاقاتهم بقرى الموطن (عيمه، ضباعة ،ورحاب) ابدا بل دامت هذه العلاقه ولم تفقد قوتها حتى ان الحي اضحى وكأنه قطعه من القرية من النواحي السياسية والمورفولوجية والديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية، ففي الحي حارات كما في القريه (الحراسيس والرعود والسعود والربيحات وعيال عواد والخوالدة). وفي الحي تقام الافراح والاتراح والمناسبات كما في بلدات الاصل بل تمتد المناسبات لتقام هنا وهناك.
المدهش ان سكان بلدات الاصل حاليا (عيمة وضباعة ورحاب) هو اقل من 15% من سكان الحي مما يجعل هذه احدى اكثر الامثلة توضيحا لمفهوم التفريغ السكاني في العالم وهناك تشابه ولو بدرجة اقل مع بلده شطنا في اربد التي هاجر غالبية سكانها الى الزرقاء دون ان يتبعوا نفس نمط الاستيطان الذي اتبعة الثوابية.
عمل الثوابيه منذ قدومهم لعمان في صفوف القوات المسلحه والاجهزه الامنيه والتعليم والخدمات بأشكالها المختلفة. وقد اسهم عيشهم في الحي المطل على القصور الملكيه وقربهم من وسط المدينه وعملهم مع كل الاسر والاشخاص المتنفذين سياسيا وماليا (مانجو، البلبيسي، الطباع.....وغيرهم) في اكسابهم معرفة بخفايا الامور وجرأة استثنائية واحساس - ولو وهمي - بأنهم شركاء في بناء البلد لبنة لبنة، ولو جلست مع اي منهم لن تجد الا حبا وفداء وتضحيه وايثار.
وقد اسهمت العديد من العوامل في تعزيز الحس لدى ابناء الاردن عامة وابناء الطفيله بشكل خاص بالشراكة في بناء الدوله وحضورهم الفاعل عند كل الحوادث والمفاصل الاساسيه التي اجتازها النظام الاردني منذ تشكله.
لقد عرف شباب الحي من الاباء ان حد الدقيق وهي المعركه الاساسية الفاصله التي انكسر فيها الجنرال حامد فخري القائد العثماني الاكثر شهره هي من صنع اجدادهم.....في تلك المعركة اجهز الطفايله والحويطات على اكثر من نصف جنود وضباط الفرقه 48 العثمانية والتي جاءت لاخماد تمرد الطفايلة. فقد صنفت على انها افضل الفرق العسكريه العثمانيه وعرفت ببراعتها القتاليه في رومانيا والكثير من محاور قتال الحرب العالميه الاولى.
في الطفيله قتل الجنرال حامد فخري علي ايدي الطفايله وقال بعض المؤرخين انها المعركه الاهم والاشرس اي انها (حد الدقيق) النصر الذي تحقق للثورة......هذا عامل مهم في السيكولوجيه الجنوبيه اتمنى على اخوتنا صناع القرار الامني ان يعوه تماما.
اما العامل الثاني والذي لا يقل اهميه عن الاول فهو ان الطفايله وابناء الحي بشكل خاص اسهموا في تنظيم دوريات من المتطوعين للدفاع عن النظام ابان احداث ايلول 1970 المؤسفه لكي لا تطلق طلقة واحدة باتجاه القصور الملكية ونجحوا في ذلك.
وللذين يستطيعون ان يتصوروا موقع الحي والحاله التي كانت عليها عمان انذاك.....على هذه الخلفيه وعندما بدأت دعوات الاصلاح انخرط ابناء الحي مثل كل الاردنين في مسيرات سلمية عكست وجه الاردن الحضاري واستمروا في ذلك لأنهم سمعوا الكثير عن الفساد والبلطجه والاعتداء على مقدرات الدوله والتي اعتبوها دولتهم ..ومع كل أسف لم يتبرع احد لمحاورتهم بل تسابق الكثيرون على شيطنتهم واتهامهم.
يرى الطفايله كما يرى الكثير من ابناء الاردن ان علاقتهم بالدوله الاردنيه علاقه عضويه لا تحددها تقارير المخبرين، ولا مهرجانات النفاق واجتهادات هواة العمل السياسي. مع كل اسف تم التعامل مع ابناء الحي بطريقه جانبت الفهم لطبيعتهم وتكوينهم ومنطلقاتهم. فهم ليسوا في خصومه مع الدوله لانهم ابنائها فعلا لا قولا وهم ليسوا مرتزقه ولا انتهازيين ولا سماسرة.
لقدد اقتصرت الاستجابات لظاهرة حي الطفايلة على تصعيد الحالة الى مستوى لا يليق بالدولة الاردنية تحت شعار سياده القانون وتقويض النظام ولا يليق بكرامة شريحة خدمت بلادها ونظامها بكل فخر واعتزاز.
هل يستطيع اويملك احدا كان والده امرا للمدفعيه التى قصفت قواعد من ارادوا الاطاحه بالنظام ان يقوض النظام ؟وكيف؟
اتمنى ان يتخلى شبابنا القائمون على ادارة شؤون البلاد عن النظر للبلد وابنائها نظرة المستشرقين وان يعوا قول الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها....؟؟؟