من أفزع الفزاع

من أفزع الفزاع
د. عبد الرؤوف ربابعة
في لهجتنا الأردنية المحكية نستخدم لفظة "فزَعَ" بمعنى هب لتقديم المساعدة ونستخدم لفظة "فزعة" كمصدر لهذا الفعل، ورغم أن هذا الاستخدام صحيح لغوياً، إلا أن الاستخدام الأوسع من حيث اللغة يأتي بمعنى خاف ولجأ، كما جاء في المعجم الوسيط، وتأتي عبارة "فَزَع منه" بمعنى خاف وهرب منه وعبارة "فَزَع اليه" بمعنى خاف من شيء ولجأ اليه.
يبدو أن إسم "علاء الفزاع" وحالته بعد خبر لجوءه السياسي إلى السويد (إن صح الخبر) ينطبقان شكلاً ومضموناً على التوظيف اللغوي لهذا الاصطلاح، فمن الذي أفزع الفزاع وجعله يفزع من الاردن؟ ولماذا فزع إلى السويد؟ ماذا كتب الفزاع في طلب اللجوء؟ وماذا قدم ليقنع المفزوع إليهم بأن المفزوع منه أصبح بلداً مثيراً للفزع؟ أسئلة كثيرة تثور في النفس عند مطالعة خبر هذا الفزع المفاجئ الذي أرجو أن لا يكون صحيحا.
إن قرار الهجرة إلى أي بلد هو قرار شخصي ويقع ضمن دائرة الحرية الخاصة ولا يمكن أن نستخدم هذا القرار لادانة المهاجر أو المزاودة عليه في الوطنية وحب الوطن، ولكن عندما يكون ثمن تأشيرة السفر ما دفعه الفزاع فإن الأمر هنا يستدعي التوقف والنظر.
قد يقنع الفزاع الموظف السويدي المختص بالنظر في طلبه بعدالة هذا الطلب ووجاهة قضيته، ولكنه يعرف جيداً أنه لن يقنع الأردنيين بضرورة أن يهرب ابناؤهم إلى الخارج بحجة الخوف على الحياة أو حتى على الحرية، نعم قد يهاجر الأردني من بلده طالباً للجوء "الاقتصادي"، ولكنه يحمل معه وطنه في قلبه أينما ذهب وأينما حل، وقد تسد بوجهه السبل في بلده نتيجة لغياب العدالة والنزاهة - وهو أمر نشكو منه جميعا- فيسعى للبحث عن حياة أخرى في بلد آخر، ولكنه لا يتاجر بوطنه ولا يعرضه في مزاد السياسة كسلعة قابلة للبيع والشراء.
في بلدي ظلم، في بلدي غياب للنزاهة والعدالة، في بلدي فساد، في بلدي تخلف، سأقول عن بلدي ما أشاء، وسأكتب ما أشاء وانتقد ما أرى أنه عيب بحق هذا البلد الذي أعشق وأهوى، ولكن أبداً لن أكتب هذا في نموذج أقدمه لأحد السفارات، هكذا نفهم حب الوطن وهذا ما تربينا عليه ورضعناه مع حليب الأمهات، وبدون مزايدة على أحد فإن من يعشق الوطن يفزع عليه وإليه لا منه.
يبقى قرار الفزاع بطلب اللجوء السياسي قراره الشخصي، وهو الذي يقدر ظروفه الخاصة وهو الذي يبرر لنفسه فعل ما يفعل، ولكن إن كانت ثمة إشارة يجب الإنتباه إليها في هذا الفعل، فهي تلك الإشارة التي تدعونا إلى العقلانية وعدم الانجرار بعواطفنا التي تعمينا أحيانا عن رؤية حقيقة الكثيرين من مدعي النضال ومحترفي المتاجرة بقضايا الشعب وأحلامه وهم ليسوا أكثر من طلاب سلطة أو مال، فشكراً للفزاع على هذه الإشارة المهمة، وشكراً له لأنه بعث برسالة واضحة إلى كل اولئك المخدوعين باصحاب الخطب الرنانة والشعارات الزائفة ممن يضعون وطنهم في قائمة الادوات المستخدمة لتحقيق المصالح والغايات.
د. عبد الرؤوف ربابعة
abdrf@yahoo.com