في مثل هذا اليوم شنقوا صدام ليبدأوا مخططات تفتيت المنطقة
لا احب عادة الكتابة في المناسبات، وحلول هذه الذكرى او تلك، ولكن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها كاملة في جميع الاحيان، ولا بد من استشناءات وابرزها عملية "اغتيال” الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فجر عيد الاضحى المبارك بعد محاكمة شكلية جاءت احكامها انتقامية ثأرية، وهي استثناءات حتمت وتحتم علي ان اقف عندها ولا اتجاهلها.
ادرك جيدا ان هناك كثيرين لا يريدون ان يسمعوا باسم هذا الرجل، او يروا من يذكرهم به، خاصة بعد ان تدهورت الاوضاع في العراق والمنطقة بأسرها بعد عشر سنوات من الاطاحة بحكمه ليس على يد شعبه وانما على ايدي قوات ثلاثين دولة بقيادة امريكا وبمباركة من دول عربية وتواطؤ بعض المحسوبين على العراق من ابنائه، تدهورت الى قاع الحضيض: امنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
***في فجر مثل هذا اليوم وقف الرئيس صدام شامخا امام المقصلة، مرفوع الرأس، وناظرا باحتقار الى جلاديه، ومن يقف خلفهم من المحتلين الامريكيين، ومرددا الشهادتين، ومؤكدا على عروبة العراق واسلاميته وانتمائه الى امه عريقة ومشددا على نصرة القضية الفلسطينية التي نسيها الكثيرون هذه الايام للاسف.
كنت من اوائل من تابع تفاصيل هذا المشهد التاريخي الرهيب وقبل بثه على الهواء مباشرة، حيث دعتني محطة "الجزيرة الانكليزية” للتعليق عليه، بما في ذلك اللقطات التي لم تبث مطلقا، وهي المتعلقة بسقوطه في حفرة المقصلة وجرح رقبته، كذلك بعض جلاديه الذين اخفوا وجوههم خجلا وعارا وخوفا، فقد بث الرعب فيهم حيا وميتا.
كان يعرف جيدا ان التاريخ سيسجل هذه اللحظة بكل تفاصيلها، وهو الذي درس التاريخ واستوعب فصوله جيدا، ولذلك تقدم الى حبل المشنقة وكأنه يتقدم للحظة مجد، او لمصافحة صديق اثير الى قلبه، لم يرف له جفن، ولم تغمض له عين، ولم يعبأ بالمضللين (بضم الميم وفتح الضاء واللام) الذين هتفوا ضده بكلمات بذيئة، واكتفى بالنظر اليهم بالاحتقار الذي يستحقونه قائلا: هل هذه مراجلكم؟ فعلا هل من المرجلة ان تشتم رجلا يقف على حافة المقصلة وسيلقى ربه بعد ثوان؟..
هل من الشجاعة والشهامة ان تشمت برجل مقيد بالسلاسل، وتحدى القوة الاعظم في التاريخ، ورفض ان يهرب بحثا عن الامان استجابة لعروض كثيرة، بعضها من ذوي القربى؟ كان يمكن ان يتحول هذا الرجل مثل جلاديه اداة في يد الامريكان لو استجاب لشروطهم، بوضع بلده وثرواتها تحت تصرفهم، وتصالح مع الاسرائيليين ووقع اتفاقات استسلام معهم.
*** كانوا يعايروننا وامثالنا باتهامنا بالدفاع عن ديكتاتور علماني بعثي قاتل، نحن الذين كنا، وما زلنا، ندافع عن امة وعقيدة، ونتبصر حجم المؤامرة المحاكة للامة كلها من خلال حصار العراق ومن ثم احتلاله من قبل استعمار امريكي يريد تدميرها ويبحث عن الذرائع والاسباب.
ليسمح لنا هؤلاء ان نصارحهم برد التهمة نفسها اليهم، وتذكيرهم بانهم يقاتلون الآن الى جانب رئيس سورية البعثي العلماني والذي اعترف على رؤوس الاشهاد بان نظامه غير ديمقراطي، وارتكب اخطاء كبيرة ويتحمل مسؤولية ما حدث في البلاد من دمار جنبا الى جنب مع معارضيه المسلحين المدعومين من الخارج؟
اما العرب الآخرون الذين استدعوا الدب الامريكي الى كرمهم الذي هو كرمنا ايضا، وخرجت صحفهم شامته متشفية باعدام الرئيس صدام صبيحة مثل هذا اليوم قبل 6 اعوام، الا يرتعد هؤلاء خوفا ورعبا هذه الايام من مكالمة هاتفية استغرقت 15 دقيقة بين الرئيس الايراني حسن روحاني ونظيره الامريكي باراك اوباما؟ عراقهم فاشل ممزق طائفيا وعرقيا واجتماعيا تحكمه مجموعة طائفية منبوذة حتى من قطاع عريض من معظم ابناء طائفتها الشرفاء ناهيك عن الطوائف الاخرى..
عراق يحتل مركز الصدارة على قوائم الفساد في العالم.. عراق بلا هيبة ولا دور او هوية جامعة موحدة.. عراق مرهون الثروات لشركات غربية نفطية لثلاثين عاما قادمة.. عراق بلا ماء او كهرباء او امان او الحد الادنى من الكرامة الوطنية.
بدأوا بحصار العراق تمهيدا لتدميره ونزع اسلحته لانهم كانوا يدركون جيدا، ان مخططهم لتدمير هذه الامة وتحويل ابنائها الى سبايا العصر الاسرائيلي، وتمزيق الوحدة الترابية والديمغرافية لدولها القطرية، لا يمكن ان تمر وتنجح الا بازالة عقبة العراق، هذا البلد المعتز بعروبته وعقيدته الاسلامية، وتعايش طوائفه واعراقه.. هذا البلد الذي حقق التوازن العسكري في المنطقة، وحقق نهضة علمية وتعليمية، وبنى صناعة عسكرية طموحة، وجعل من نصرة قضايا الامة، وقضية فلسطين بالذات على قمة اولوياته الوطنية والاخلاقية.
في مثل هذا اليوم لا يسعنا، بل فخر لنا، ان نترحم على الرئيس الشهيد صدام حسين، وان نتضرع الى الله ان يغفر له ذنوبه وسيئاته، اسوة بكل المسلمين، اقولها وانا ادرك جيدا ان هذا الكلام لن يروق للبعض الذي اعمته الطائفية البغيضة، او الارتماء في احضان الاستعمار الامريكي، وقولوا ما تشاؤون.