سياسة الاسترضاء ..... وحكومة متماسكة
سياسة الاسترضاء ..... وحكومة متماسكة
باسم صالح الخلايلة
إن المتتبع للمسيرات الاحتجاجية التـي جابت مختلف مناطق المملكة على مدار الأسابيع الماضية التـي طالبت جميعها في البداية بضرورة تغيير السياسات الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين ومحاربة الفساد ومساعدة المواطنين على تخطي المرحلة الاقتصادية الصعبة التي عكستها موجة الغلاء العالمية وأثقلت كاهل المواطنين وزادت من أعبائهم ، فما كان من الحكومة السابقة إلا سرعة التحرك ومحاولة البحث عن حلول سريعة وناجعة لتحقيق مطالب المواطنين ، فجاء الحل من لدن القيادة العليا الحكيمة لصاحب الجلالة المعظم الذي اجتمع بالحكومة موجهاً إياها إلى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بتحسين ظروف معيشة المواطنين وتوسيع الطبقة الوسطى والقضاء على الفقر التـي بادرت فوراً بتخفيض الضريبة على بعض المشتقات النفطية والتـي خفضت أسعارها بنسبة (6%) ونالت به رضا بعض قطاعات الشعب واحتوت جزءاً من المطالب التـي أصبحت تدوي في شوارع ومدن ومحافظات المملكة بعد كل صلاة جمعه .
إن التجاوب الحكومي مع المطالب والتـي طرحها المحتجون أدى إلى الارتقاء بهذه المطالب إلى مستويات أبعد من ذلك وأصبحت تطالب بتحسين رواتب الموظفين والمتقاعدين وزيادتها لمساعدتهم في التغلب على الارتفاع الذي طال كافة مناحي الحياة نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية إضافة للظروف المتأزمة حولنا بدءاً بتونس وانتهاءً بمصر ، فسرعان ما لبت الحكومة هذه المطالب واتخذت قراراً بزيادة رواتب موظفين الدولة من عاملين ومتقاعدين عسكريين ومدنيين وسرعان ما انتقلت إلى الجامعات والمؤسسات المستقلة والقطاع الخاص التـي حذت حذوا الحكومة ، فكانت الزيادة بسيطة حسب رأي المواطنين ولا تساوي شيئاً مقارنة مع الارتفاع الكبير في الأسعار مطالبة بان تكون الزيادة أكبر من ذلك وعكست عدم رضا عام عن الحكومة وأدى إلى انتقال المسيرات في مراحلها اللاحقة إلى أبعد ما كانت تتصوره الحكومة وطالت الحكومة ذات نفسها وحملت هذه المسيرات عناوين وشعارات جديدة لا بديل عندها إلا حل الحكومة والمطالبة باستقالتها معتبرة بأن هذه الحكومة هي المسؤولة عن الغلاء وتدني مستوى معيشة المواطنين والتـي شهد عهدها ازديادا في عدد الضرائب وعشرة زيادات متتالية على أسعار المحروقات وتقييد الحريات الإعلامية وقمع مطالب المعلمين حسب رأيهم إضافة لتبني بعض التيارات السياسية كحزب الحركة الإسلامية باتهام الحكومة بتزوير الانتخابات النيابية الأمر الذي أزم الأمور وازدادت معه المطالب بحل الحكومة والمطالبة باستقالتها وأخذت هذه المسيرات تزداد حدتها حتى صدور الإرادة الملكية بحل الحكومة وقبول استقالة رئيس الوزراء سمير الرفاعي وتكليف دولة معروف البخيت لتشكيل الحكومة الجديدة .
هذا الحل وهذا التكليف وهذه الاستجابات السريعة لمطالب وشعارات المسيرات يبدو أنها لم تكن كافية لدى بعض التيارات السياسية وخاصة حزب جبهة العمل الإسلامي وبعض أحزاب المعارضة التـي على ما يبدو فإنها تعارض لمجرد المعارضة وحتى تثبت نفسها في الشارع ولربما لتحقيق مكاسب انتخابية ولتسجيل مواقف مستقبلية ليس إلا .
لقد شهدت المسيرات الأخيرة التـي عقبت تحقيق كافة المطالب بدءاً باتخاذ إجراءات سريعة للتخفيف من مصاعب المعيشة ومروراً بتخفيض الضرائب وزيادة الرواتب وانتهاءً بحل الحكومة وتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة ، فقد تبنت أحزاب المعارضة شعارات غريبة تمثلت بدعوة الرئيس المكلف معروف البخيت إلى الاستقالة وعدم قبول تشكيل الحكومة مطالبين بأن تكون الحكومة منتخبة بالانتخاب المباشر وهو ما يتعارض مع الدستور ، ولم تقف مطالب المحتجين عند هذا الحد بل ارتقت إلى المطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات فورية تتولاها هيئة مستقلة محايدة .
إن الشفافية والاستجابة لمطالب المواطنين والأحزاب وهيئات المجتمع المدني والتـي أظهرتها حكومة سمير الرفاعي السابقة قد انتقلت إلى الحكومة الجديدة ممثلة بالرئيس المكلف معروف البخيت من خلال مساعيه في تشكيل حكومته إلى استمالة كافة الأطراف والأطياف السياسية وخصوصاً حزب جبهة العمل الإسلامي وضم البعض منها إلى حكومته الجديدة بحيث تكون حكومة شاملة ممثلة لكافة فئات وأطياف المجتمع قادرة على التعامل مع المرحلة الاقتصادية الصعبة والظروف الإقليمية الملتهبة من حولنا وهذه المرحلة التـي تتطلب وجود حكومة قوية متماسكة قادرة على التعامل مع متطلبات هذه المرحلة ، فوجود حكومة متناغمة متماسكة تمثل الأطياف السياسية كافة ، بالتأكيد سوف ينعكس إيجاباً على استقرار جبهتنا الداخلية ويقويها ويعزز الأمن والآمان في وطننا الأغلى، فالجهود والوقت الذي يضيع في المظاهرات والاعتصامات لو تم توظيفه وتسخيره لخدمة الوطن لتجاوزنا الكثير من المشاكل التـي تواجهنا لازدادت معه قوتنا لان قوتنا في تماسكنا وتعاضدنا وبقوة جبهتنا الداخلية وهو ما سعت وتسعى إليه القيادة الهاشمية الحكيمة دائماً .
آملاً في نهاية حديثي أن يراعي دولة الرئيس المكلف في اختيار فريقه الوزاري إلى اختيار الأشخاص الأقرب إلى الناس ومن ذوي الخبرة والمشهود لهم في الكفاءة فوطننا والحمد لله منبع للكفاءات العلمية والأكاديمية والعسكرية والإعلامية والطبية وحتى الدينية التي يشار إليها بالبنان وهو ما يفسره تسابق مختلف دول العالم إلى استقطاب الكفاءات الأردنية في مختلف المجالات ولقد كان وعلى مدى السنوات الماضية للكفاءات الأردنية الدور الأبرز في النجاحات الكبيرة التي حققتها الكثير من دول العالم وخاصة الخليج وفي المجالات الطبية والإعلامية والمالية وغيرها والكثير الكثير من الشركات والمؤسسات وحتى دول قائمة ومعتمدة اعتماداً كلياً على الكفاءات والخبرات الأردنية .
سائلاً الله أن يوفق الرئيس المكلف الذي حصل على ثقة جلالة الملك أن يحصل وفريقه الوزاري الجديد على ثقة الشعب والأحزاب وهيئات المجتمع المدني وان يكونوا جميعاً عند حسن ظن القيادة بهم خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلب من الحكومة الجديدة أن تتخذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع من شأنها تحسين مستوى معيشة المواطن وتحسين دخله .
حمى الله الأردن منيعاً آمنا مستقراً في ظل حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه .