الفريق السيسي رئيسا لمصر؟
تتصاعد حدة التكهنات حول مسألة ترشح الفريق اول عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة المقبلة التي من المتوقع ان تأخذ مجراها مطلع العام المقبل وبعد اقرار الدستور، فهناك من يدفع بهذا الاتجاه ويصف الرجل بانه المنقذ، ويتردد البعض الآخر خوفا من عودة البلاد الى حكم العسكر حتى لو خلع الفريق السيسي بزته العسكرية واستبدلها باخرى مدنية.
الفريق السيسي ليس بحاجة الى خوض انتخابات رئاسية، لانه الرئيس الفعلي للبلاد، وصاحب الكلمة الاولى والاخيرة فيها، فالسيد عدلي منصور الرئيس المؤقت مجرد واجهة، او بالاحرى شاهد زور، ولا نعرف كيف قبل وهو رئيس المحكمة الدستورية، بمثل هذا الدور.
ندرك جيدا ان الفريق السيسي يملك شعبية كبيرة في اوساط قطاع عريض من المصريين، ولكن ليس كلهم، ويحظى بدعم من المؤسسة العسكرية، وليس كلها ايضا، بدليل حالة الجدل الدائرة حاليا حول تسريب شرائط مصورة للفريق السيسي يتحدث فيها عن العلاقة مع "ثورة يونيو” وهي التسريبات التي نفى الفريق سامي عنان رئيس هيئة اركان الجيش المصري السابق اي علاقة بها، فمن الذي يقف خلف هذا التسريب اذا؟
ولكن ما ندركه ايضا ان فوزه في اي انتخابات رئاسية مقبلة، ودون تحقيق المصالحة الوطنية، واشراك الاسلاميين، وحزب الاخوان منهم على وجه الخصوص في العملية السياسية، والافراج عن جميع معتقليهم، وعودة متفق عليها للشرعية، تنقذ ماء وجه جميع الاطراف، وهذا الفوز سيعني عودة الحكم العسكري الذي يتناقض، كليا او جزئيا بمطلب الدولة المدنية، ودون ضمان تحقيق الاستقرار والامن اللذين هما الشرط الاساسي لاي حل للازمة الاقتصادية الخانقة.
***
لا ننكر مطلقا ان هناك وقائع على الارض جرى فرضها من قبل المؤسسة العسكرية وبغطاء مدني وفرته مظاهرات الثلاثين من حزيران (يونيو)، وجبهة الانقاذ التي انفرط عقدها، وشيخ الازهر وبابا الاقباط، ولكن هذا لا يعني ان الطرف الآخر الذي وصل الى الحكم عبر صناديق الاقتراع سيرفع راية الاستسلام بسهولة، ويقبل بهذا الامر الواقع المفروض بالقوة، ولهذا نجد لزاما علينا الاصرار على الحلول السياسية للازمة، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى التوافق، والتعايش، والحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية المصرية العمود الفقري للاستقرار والامان للبلاد، وابعادها عن التجاذبات السياسية لانها لكل المصريين وفوق كل المهاترات الحزبية.
الدكتور احمد كمال ابو المجد احد حكماء مصر القليلين يتقدم حاليا بمبادرة وساطة يجب ان تلقى تفهما من الطرفين المتخاصمين في معادلة الصراع في مصر، ليس لانها الافضل او الاسوأ، بل لانها تشكل خطوة اولية للوصول الى الحل السياسي المنشود يمكن البناء على عناصرها، والحوار حولها.
الفريق السيسي قال في بداية الانقلاب الذي اطاح بحكم الرئيس محمد مرسي انه زاهد في الحكم ولا يريد ان يترشح في اي انتخابات مقبلة، ليعود ويخفف من حدة زهده، ويوحي في مقابلات صحافية متعددة بانه سينزل الى رغبة الشعب ويترشح اذا ما طلب منه ذلك، وهذا يعني ان هناك تمهيدا له لتولي عرش مصر، وان هناك ماكينة اعلامية تعمل على تحضير الرأي العام المصري لهذه النهاية شبه الحتمية.
وربما لا نبالغ اذا قلنا ان قرار ادارة الرئيس باراك اوباما بتجميد جزء كبير من المساعدات العسكرية لمصر احتجاجا على غياب الديمقراطية، او بطىء التحرك لاستعادتها، يصب في الاطار نفسه اي زيادة شعبية الفريق السيسي واظهاره بمظهر المرفوض امريكيا، دون ان ننفي التفسير الآخر الذي يقول بأنه يأتي دعما لعودة الديمقراطية ونتائجها.
كنا وسنظل دائما ضد المساعدات العسكرية الامريكية لمصر، لان هذه المساعدات مهينة لمصر مثلما هي مهينة للدول العربية الخليجية التي تملك تريليونات الدولارات كأرصدة وعوائد نفطية وتركت مصر اسيرة هذه المساعدات لاربعين عاما، ولانها جاءت ثمنا لتوقيع اتفاقات كامب ديفيد، التي اخرجت مصر من الصراع العربي الاسرائيلي لما يقرب من اربعين عاما.
الرئيس مرسي اخطأ عندما خاطب شمعون بيريس بالصديق العزيز، مثلما اخطأ عندما صمت على اتفاقات كامب ديفيد في اطار سياسة اعادة ترتيب الاولويات، ونتمنى ان يأخذ الفريق السيسي مواقف تصحح هذا الخطأ، اي ان يعلن موقفا صلبا رافضا لهذه الاتفاقيات ولكل المساعدات المالية والعسكرية الامريكية، وهو الذي اعلن صراحة ان اول جملة في قاموس النهوض العربي هي الغاء التبعية للاجنبي ومساعداته.
***
يستطيع الفريق السيسي ان يستمر في اعتقال الفين من قادة الاخوان ويزيد عليهم مثلما يستطيع النائب العام ان يفبرك لهم قضايا لتقديمهم الى المحاكمة وهم الذين لم يزد حكمهم الفعلي عن بضعة اشهر، مع تسليمنا بفشله وان كانت هناك مبررات لا يتسع المجال لذكرها، ولكن ما لا يستطيعه هو الغاء حركة الاخوان المسلمين من الوجود حتى لو اصدرت المحكمة قرارا بحلها، ليس لان جذورها ضاربة في عمق التربة المصرية فقط، وانما لانه ليس جمال عبد الناصر، ولان الزمن تغير ايضا وكذلك الشعب المصري.
حكم الاخوان المسلمين ارتكب خطيئة الغاء الآخر، واعتقد انه يستطيع ان يحكم البلاد وحده، والفريق السيسي يكرر الخطأ نفسه، ويطبق سياسة الاقصاء التي طالما اتهم الليبراليون الرئيس مرسي ونظامه بممارستها ضدهم.
الاستقرار في مصر لن يتحقق الا بالمصالحة الوطنية، والعملية السياسية لا يمكن ان تنجح الا بمشاركة الاسلاميين، وعلى الفريق السيسي ان يتذكر حقيقة راسخة لا يمكن تجاهلها، وهي ان بداية النهاية لحكم الرئيس مبارك تمثلت في اسقاط جميع مرشحي الاخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي سبقت سقوطه باشهر معدودة، وبمشورة من احمد عز، وصبيانية جمال مبارك.
خطأ مبارك يتكرر الآن بصورة او باخرى وما اكثر الصبيان الذين يدفعون بهذا الاتجاه لاغراق مصر في حمامات دماء، وربما الحرب الاهلية.