خسائر بالمليارات وسياسات إطفاء الحرائق
تتأرجح الخطط الاقتصادية للحكومات والدول في الشرق الأوسط بين إطفاء الحرائق ومساعي تقليص الخسائر، وبين محاولات إضفاء صبغة الحل على معضلات البطالة، كما جذب الاستثمارات وتحقيق نمو يشعر به الأفراد، وسط إقليم ملتهب، تحاول الدول فيه استعادة الاستقرار المالي والاجتماعي، وقبلهما السياسي.وتبدو سياسات إطفاء الحرائق هي الأكثر وضوحا في خط السياسات الرسمي. ولا يمكن للنمو الاقتصادي الذي لا يتجاوز 4 % في أعلى مستوياته لمعظم الدول العربية، أن يجيب عن أسئلة التوظيف والتشغيل الملحة. كما أن البحث عن رساميل جديدة ليس مجديا بسبب استمرار عدم اليقين كشبح مقلق، يزيد من منسوب الحذر لدى كل من لديه خطط في الأعمال.الخسائر التي منيت بها اقتصادات دول المنطقة ليست هامشية. ودراسة بنك "أتش. أس. بي. سي" التي نشرت نهاية الأسبوع الماضي، تشير إلى أن دول الشرق الأوسط فقدت وستفقد من نواتجها الاقتصادية ما يقارب 800 مليار دولار منذ بدء "الربيع العربي" وحتى نهاية العام المقبل. وأخطر ما يواجه دول المنطقة واقتصاداتها هو إعادة الاستقرار، وتخطي التهديدات الاقتصادية الجديدة، وإيجاد حلول للبطالة ونقص السيولة. هذا إضافة إلى التكيف مع الانتكاسات التي عصفت بالسياحة والخدمات المالية والنقل والشحن البري والبحري، علاوة على تقلبات أسعار النفط، وارتفاع كلف الطاقة والكهرباء. وتبدو بعض الدول أكثر تأثرا من غيرها. فسورية ومصر وتونس وليبيا والأردن والبحرين ولبنان، ستفقد بحلول نهاية العام المقبل نحو ثلث ناتجها الاقتصادي، بسبب حالة عدم اليقين وضعف الاستقرار محليا وإقليميا. وثمة تدمير كبير يمكن رصده في شكل ومضمون بعض الاقتصادات. ففي سورية، لم يبقَ هناك دولة أو نشاط اقتصادي بالمعنى الطبيعي. وتسبب ما جرى فيها بخسائر متدحرجة للاقتصاد الأردني الذي يبحث دوما عن بدائل لخطوط النقل التي أُغلقت في وجهه برا وجوا عبر جارته الشمالية. ولا يبدو مقنعاً بما فيه الكفاية التعاون الذي زاد أواخر العام الماضي مع العراق، بشأن أنابيب النفط ونقله عبر خطوط تصدر النفط وتربط البصرة بالعقبة. ففي العراق يكون الحديث عن الاقتصاد ترفا وسط انفجارات ومفخخات ليس لها نهاية. ويقترب من ذلك وضع خطوط الغاز المصري إلى الأردن؛ فما إن يخبو خبر تفجيرها، حتى يعيد تفجير آخر الخبر إلى صدارة الأحداث. الدول السابقة تعاني من أزمات متشابهة، ولكن بدرجات مختلفة؛ طبقا لحجم تأثر كل دولة ومدى خراب الحالة الاقتصادية فيها. لكن الأهم في تقديري يكمن في عدم جدوى الخطط التقليدية والروتينية ضمن هذه الأوضاع الاستثنائية. وإن نجحت نسبيا سياسة إطفاء الحرائق خلال العامين الماضيين، على غرار الحال في الأردن، إلا أن غياب خطط الطوارئ البديلة لإنقاذ قطاعات بعينها، ونقل قوة الاقتصاد من جهة إلى أخرى على نحو مرن، سوف يقلل في السنوات المقبلة من فرص نجاح جهود تحقيق التوازن والاستقرار للاقتصاد الأردني بصفة عامة.بعد انتكاسة السياحة، وانسداد الطرق أمام شحن السلع والبضائع، وتضاؤل فرص التوظيف، واستمرار قلق رجال الأعمال في المنطقة، يبدو الاعتماد على الذات أكثر الوسائل نجاعة لإعادة تأهيل الاقتصاد المحلي عقب الخسارات التي مني بها، وبما يسهم في تغيير نسق السلوك الاقتصادي بشقيه الفردي والمؤسساتي، وربما تجاوز شهية الإنفاق غير المجدي التي لم تعد مبررة في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المعقدة