اقتصاد العالم بين الدول والشركات

يمكن تلخيص الخاصية الرئيسية للعولمة بأنها النجاح الكبير للشركات متعدية الجنسيات Transnational Corporations في توسعة أسواقها والحصول على المزيد من المكاسب والأرباح المالية بالإضافة إلى تطوير أنظمة قانونية ومؤسسية لحماية هذه المصالح أهمها منظمة التجارة العالمية. وقد أدى بناء هذه القواعد المؤسسية وفتح الحدود أمام التجارة الحرة وتثبيت حقوق الملكية الفكرية إلى تعظيم قوى هذه الشركات بحيث باتت تمثل مراكز قوى عالمية تساهم بشكل فعال في رسم السياسات الدولية وبخاصة السياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. حتى عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2007 هرعت الحكومات الغربية للتدخل لأول مرة في الاقتصاد الحر ليس لدعم المجتمع والمستهلك بقدر ما عملت على تخصيص فائض نقدي لسداد بعض الديون والعجز والرواتب للمدراء التنفيذيين للشركات الكبرى لإبقائها قادرة على العمل.
أكبر شركة في العالم من حيث حجم المبيعات هي شركة وول مارت للبيع بالتجزئة والتي بلغت أرباحها 469 بليون دولار في بداية العام الحالي، وهذا ما يجعلها تقع في الترتيب 25 من أكبر الاقتصادات في العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للدول وتأتي بعد أكبر 24 دولة من حيث الاقتصاد. بعد وول مارت هنالك 14 شركة تتخطى حاجز 200 بليون دولار من حيث الأرباح وهذا ما يجعل كل هذه الشركات أكبر من دول مؤثرة في العالم مثل جمهورية التشيك والجزائر والباكستان وقطر وأوكرانيا والكويت والمجر ونيوزيلندا والإكوادر وكرواتيا. على الصعيد العربي فإن السعودية وهي ذات ناتج محلي إجمالي 597 بليون تعتبر الدولة العربية الوحيدة ذات الاقتصاد الأكبر من اية شركة في العالم.
في المقابل فإن اقتصاد الإمارات البالغ 338 بليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي هو اقل من مجموع أرباح شركة أرامكو السعودية البالغ 365 بليون وشركة بريتيش بتروليوم (370 بليون) وشركة البترول الصينية الوطنية (425 بليون) وإكسون موبيل وشل (حوالي 460 بليون) إضافة إلى وول مارت طبعا. حجم مبيعات شركة تويوتا للسيارات (222 بليون) أكبر من اقتصادات الجزائر وقطر ومبيعات سامسونج أكبر من اقتصاد الكويت والعراق أما شركات آبل وجازبروم وجنرال موتورز وجنرال الكتريك وفورد وهيوليت باكارد فهي أكبر من اقتصادات المغرب وعمان وبلغاريا والأورجواي ولتوانيا وصربيا. أما شركة نستلة وهي آخر شركة عالمية تتجاوز أرباحها 100 بليون دولار فلها اقتصاد أكبر من 133 دولة في العالم.
مجموع مبيعات الشركات المائتين الكبرى يعادل 18 ضعفا حجم مجموع الدخل السنوي لحوالي 1.5 بليون شخص أي حوالي ربع سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع يعرفه البنك الدولي بأنه مصدر دخل أقل من دولارين يوميا. هذه الحالة من انعدام المساواة في الدخل هي انعكاس طبيعي للعولمة الاقتصادية وتنامي قوة الشركات والشبكات النخبوية لرجال الأعمال على حساب الدول والاقتصادات الوطنية. في ظل الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها كافة دول العالم تقريبا لا زالت الشركات تحقق أرباحا ومبيعات طائلة في كازينو الاقتصاد العالمي وتنجو من أهم تداعيات الأزمة المالية بينما يكدح الغالبية العظمى من سكان العالم لتأمين احتياجات الغذاء والدواء والماء والسكن التي هي من اساسيات حقوق الإنسان.