قطار ومحطات انتظار



ما وجدته لغاية الآن في المقالات والتعليقات في معظم المواقع الالكترونية لا يتعدى محاولة بائسة للسواد الأعظم من الكتاب وجمهور المُعلقين للحاق بقطار الحكومة الجديدة لعلهم ينالون مقعداً في أحدى عرباته، ولا يهم أن يكون هذا المقعد وثيراً أو في الدرجة الأولى أو الثانية .... المهم مقعد، أو حتى أن  يتشبثوا بمقبض شباك أو باب العربة للسفر مع الحكومة على الهواء الطلق على الطريقة المصرية  أو الباكستانية والهندية في الركوب والسفر بالباصات والقطارات....مُشكلة الأردن ليس في نظامه ولا في حكوماته بقدر ما هي المُشكلة في المجتمع الأردني الحاضنة الأساسية لكل العفن والفساد والتوزير والتزوير والتدليس ...الكل ينتظر أن يرن تلفونه لينادوه للوزارة على عجل، والكل يحاول أن يُبدي للآخرين بأنه موجود وينتظر الوزارة...فأن لم يكن هو فقريبه أو صديقه أو مسئوله الحالي أو القديم على أمل أن يناله هبره أو حتى  يُمّيل عقاله متفاخراً ومتغانجاً ويستند في جلسته أمام الناس ويقول: والله معالي أبو فلان قرابتي أو صاحبي ولعبت معه شدة كمان في سالف الأيام!.... وكلنا يذكر قصةً من المحكي الشعبي في الطفيلة  أسمها خلف... أحد أبناء الطفيلة في ستينيات القرن الماضي كان دائماً ما يذهب إلى عمان ويعود وكيف كان يُحدث الناس عن علاقاته المُهمة هناك....

شعب مأزوم ومهزوم ينتظر الغالبية العُظمى من أبنائه الوزارة بينما الشعوب المستحقة لمستوى أسم الشعوب تُسطر أجمل لوحات التضحية والفداء لتدخل من بوابات التاريخ وتفرض نفسها على الجغرافيا....لم نرقى في الأردن إلى مستوى أن نكون شعباً فرضينا أن نكون مُجرد رعايا دولة صغيرة عازله تتناسب مع حجمنا الصغير الصغير ورضينا أن نكون فقط قاطنين في شرق الأردن وحوالي الخط الحديدي الحجازي ومن شتى المنابت والأصول ولا مُشترك بيننا سوى الانتهازية والرغبة في تعظيم الذات والكذب على أنفسنا ومن ثم تصديق هذه الكذبة أيضاً بأنفسنا....القيمة الاجتماعية للفرد عندنا مدى قُربه من الوزارة ومواقع الإدارة، فالمواقع المتقدمة في الدولة في عقلنا الباطن تشريف وليس تكليف .... السعيد في عرفنا وثقافتنا من أستطاع أن يولم لأحد أصحاب المعالي وحتى لو للمحافظ وأن تعذر ذلك فللمتصرف والقائمة تطول حتى تصل للشاويش أو قايد المخفر.... أما الحج خلف الكركي فزرته البارحة فوجدته يُجلس حفيده الصغير بجانبه على (جاعد – جلد خروف) ويُملي عليه قائمة الوزراء المتوقعين، ويا للعجب حينما وجدت أن القائمة مكونه من واحد وثلاثين وزيراً من غير دولة معروف البخيت وجلهم من أصحاب الحج خلف وأقربائه مع العلم أن الحج خلف لم يصل عمان قط إلا حينما مرضت الحجه فلحا وأجرت عملية المرارة في المدينة الطبية قبل أربعين عاماً ونيف ..... وحينما سألت: كيف حال الحجه أم علي؟ فكانه تذكرها فقال لحفيده: أكتب ...أكتب  جدتك يا عيّل... اكتب أسمها للبلديات. 

فعلى بوابة التشكيلات والتعديلات أن الباب الوحيد  في نحو هذا الوطن هو المنادى عِلماً أن الشواهد النحوية عند العرب القدماء دائماً تقول : ذهب زيدٌ ...ونام زيد وقام عَمّرُ وضرب عَمّرُ زيداً (فنحو الأردنيين - أصبح شاهد النحو عندنا  خلف)....جاء خلف... ذهب خلف وأن شئت فقل للتدلل خليف  فهو ينتظر. وفيما أزعمه أن الثلاثة زيدٌ وعَمْرٌ وخلف لا يعدوا  إلا أن يكونوا شاهداً  نحوياً في ألفية مالك (ألف بيت من النحو – شرحها العلامة بن عقيل) فهل بعد نحو بن عقيل شيء؟ وكما يقول العرب: لا يوجد تحت أديم ألسماء أنحى من بن عقيل....فمعذرةً بن عقيل... لقد فات من شواهدك خلف ....معذرةً يا بن عقيل فلعلنا في هذا الوطن لتوحد الشاهد عندنا أن يقوم النخب وأنصاف النخب ببناء ما فاتك (خلف)

ولمزيد معرفتك يا بن عقيل....هذه الكلمة عندنا  وعندما يصدر الضيوف عن فتات الطعام فيقولون: على المعازيب الخلف ، واعذرنا أيها القاريء على قلب هذا الشاهد لأن النفس قد عافت كل هذه الشواهد إلى مستوى القرف.

  د.م حكمت القطاونه  tel: 0795482538 hekmatqat@yahoo.com