د. صلاح عودة الله الأردن ما بين شبيلات والبخيت
أخبار البلد - "سأحمل روحي على راحتي**وألقي بها في مهاوي الردى..فإمّا حياة تسرّ الصديق **وإمّا مماتٌ يغيظ العدى..ونفسُ الشريف لها غايتان**ورود المنايا ونيلُ المنى..وما العيشُ؟, لا عشتُ إن لم أكن**مخوف الجناب حرام الحمى"..الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود.
وجه المعارض الأردني البارز المهندس ليث شبيلات رسالة مطولة لملك الأردن عبد الله الثاني حذر فيها من انتقال الشعب من شعارات اجتماعية اقتصادية إلى أخرى سياسية ثم إلى النظام ورأس النظام في حال استمر ما سماه "فسق الحكومات التي ترتع في خيرات الشعب".
وحملت رسالة شبيلات عنوان "هكذا نحافظ على عرش يحتاجه الأردن لاستقراره"..لا أريد التطرق لكل ما ورد فيها, ولكن ما لفت نظري هو تطرقه لأمرين هامين جدا.
الأمر الأول:انتقد شبيلات طريقة إدارة دفة الحكم و"التلاعب" بالركن الأول للحكم وهو النيابة، وحذر من "هبوب العاصفة الاقتصادية الاجتماعية" التي قال إنها قادمة لا محالة.
كما حملت الرسالة انتقادا شديدا لنهج الملك في اختيار الحكومات داعية إياه إلى أن يسمح للشعب باختيار رؤساء وزرائه, وأن يبقى فوق المسئولية "يبدل الرؤساء حسب رغبة الشعب الذي هو سيدهم (رؤساء الوزراء) وليس عبدهم الذليل".
نعم فالشعب هو من يختار نوابه في مجلس الأمة بطريقة انتخابية ديمقراطية وهذا بدوره كممثل للشعب هو من يختار رئيس الوزراء والوزراء, وهذا ما يجري في الدول الديمقراطية المتحضرة.
وحذرت رسالة شبيلات في قسمها الثاني تحت عنوان "حتى نجنب المملكة وعرشها ما جرى في تونس", قائلا"فالجوع كافر..وعندما ينفجر الشارع قافزا فوق معارضة هلفوتة تافهة..جسم هنا وعين على المناصب هناك.. فإنه سينتقل خلال أيام من شعارات اجتماعية اقتصادية إلى الشعارات السياسية ثم إلى النظام، ثم إلى رأس النظام. ومن حق الشارع عندها أن يدوس على أمثالي الشبعانين الذين لم يضحوا بما يكفي دفاعا عن لقمة عيش أبنائه أولا، قبل أن ينتقل إلى من هم أصل مصائبه".
وقال شبيلات إنه وجه الرسالة للديوان الملكي ليتحرك بأقصى سرعة، بعد أن أعلمته شخصيات أردنية هامة لم تكن يوما في المعارضة منهم نواب سابقون ووجهاء عشائر هامة لم يسبق لهم أن شاركوا في المعارضات، أن "الدعوة مستمرة لمسيرة مليونية اعتذرتُ عن تصدرها رغم مباركتي لأي جهد خير يقومون به".
وطالب "الملك المنفرد بالسلطات" بتدارك الأمر بإصلاحات جادة حقيقية قبل بدء هذه التحركات التي يحمد عقباها.
الأمر الثاني:ويتطرق فيه إلى القضية الفلسطينية وكيفية التعامل معها, وهنا يقول"إن
الشارع الأردني قد يكون في غيبوبة تخديرية للأسف فيما يخص الأطماع الصهيونية العلنية الوقحة التي لا تواجهها حكوماتنا إلا بأذل مما يمكن أن يتخيله الناس (..) وفي ما يخص اختيارنا التعامل مع الجهة الفلسطينية التي يهدد مشروعها الأرض الأردنية والشعب الأردني واستقرار الأردن، مخاصمين الجهة الأخرى التي تنقذ شعاراتها الأردن من أي توسع صهيوني أو تراتنسفيري".
وفي المقابل نسمع بأن رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة يطلق تصريحات نارية بخصوص فك الارتباط مطالبا"بقوننته" حيث يقول"إن الطريقة التي صيغت فيها تعليمات فك الارتباط تنطوي على مؤامرة على المملكة ، وان تعليمات فك الإرتباط كان ينبغي لها أن تصدر كقانون من البداية وليس كتعليمات عبر صيغة ملتبسة لقرار سياسي".
البخيت وقبل أن يقوم بتشكيل حكومته لا يهمه ولا يشغل باله إلا موضوع فك الارتباط وكأن الأردن يعيش في حالة من الاستقرار والرخاء تضاهي سويسرا والسويد..نعم إن أول الرقص حنجلة، ولم تفاجئنا تصريحات البخيت هذه فأجندته معروفة وهذا شيء ليس غريب عليه فقد صرح في جلسات خاصة بأمور أشد خطورة وهو لا يخفي حقده الدفين على الأردنيين من أصول فلسطينية تماما كما ورد في بيان المتقاعدين العسكريين قبل أشهر قليلة, وقد سعى وطالب مرارا بعدم السماح للأردنيين من أصول فلسطينية بعدم تولي مناصب رفيعة وحساسة في الدولة التي تزيد نسبتهم فيها عن الثلثين.
ان تصريحات البخيت هذه تأتي مخالفة لما جاء في مرسوم التكليف الملكي"..فإننا نكلفك بتشكيل حكومة جديدة، تكون مهمتها الرئيسية اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤيتنا الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، لنمضي بها خطوات واثقة على طريق تعزيز الديمقراطية، واستكمال مسيرة البناء، التي تفتح آفاق الانجاز واسعة أمام كل أبناء شعبنا الأبي الغالي، وتوفر لهم الحياة الآمنة الكريمة التي يستحقونها."
وفي النهاية فإننا لا نستغرب قيام قوى سياسية أردنية وطنية بمطالبة البخيت بتقديم استقالته قبل أن يبدأ مشاوراته لتشكيل حكومته, "وأهل مكة أدرى بشعابها".
ولا بد من إنهاء هذه المقالة بما قاله الشاعر حيدر محمود عام 1989 :"عفى الصفا وانتفى يا مصطفى**وعلت ظهور خير المطايا شر فرسان..فلا تلم شعبك المقهور إن وقعت**عيناك فيه على مليون سكران..قد أمعنوا فيه تشليحا وبهدلة**ولم يقل أحدا كاني ولا ماني**ومن يقول وكل الناطقينا مضوا**ولم يعد في بلادي غير خرسان..يا شاعر الشعب صار الشعب مزرعة**لحفنة من عكاريت وزعران"..حمى الله فلسطين والأردن وشعبيهما.
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة