مجلس الأعيان انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات

من أهم أركان الديمقراطية الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية، التشريعية، والقضائية. ولا يمكن لأي كان مؤسسة سياسية أو فكرية أو فرداً أن يصنف أي نظام «نظاماً ديمقراطياً» في حال عدم الفصل الحقيقي والدستوري والتشريعي بين السلطات الثلاث.
فالديمقراطية لا تجيز هيمنة سلطة على أخرى، واقعاً لا شكلاً، وهذا يتطلب في حال وجود هيمنة للسلطة التنفيذية على أي من السلطات الأخرى، بتوجيه إزالة هذا الخلل، وضمان الفصل الحقيقي بين السلطات في الدستور.
أسوق هذه المقدمة، ونحن في الأردن نترقب إعادة تشكيل مجلس الأعيان، فالسلطة التشريعية في وطننا تتكون من غرفتين؛ الأولى: مجلس النواب، والثانية: مجلس الأعيان.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هدفها في الأردن الصغير بمساحته، الكبير بشعبه، بحاجة الى مجلس أعيان، أم أن الأصل الاكتفاء بمجلس النواب المنتخب انتخاباً ديمقراطياً وفق قانون انتخاب قائم على المواطنة والتعددية السياسية والفكرية والحزبية!
ويتبع ذلك بسؤال آخر: ما هي الفلسفة السياسية التي تقف وراء تشكيل مجلس الأعيان الذي يتم تعيينه من السلطة التنفيذية؟
أسئلة بحاجة إلى أجوبة، وإن كانت الأجوبة واضحة ولا تخفى على أي مفكر أو سياسي أو ناشط حقوقي أو حزب سياسي أو منظمات حقوقية، ويمكن تلخيصها بضمان مخرجات أداء وقرارات وتشريعات التي تقر من مجلس النواب، في حال خروج أداء المجلس عن هيمنة السلطة التنفيذية وأجهزتها.
أما كيف يعالج الدستور الأردني واقع مجلس الأعيان، فتتمثل في المواد: 63، 64، 65، 66 إضافة الى عدد من المواد في القسم الثالث من الدستور التي تحمل عنوان «أحكام شاملة للمجلسين».
واليوم سأتناول المواد 63، 64 من الدستور، وهما تلك المادتان التي تتعلقان اليوم بإعادة تشكيل أو استكمال عدد أعضاء مجلس الأعيان، حيث تنص المادة 63 على «يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب».
فالقارئ لنص هذه المادة يستخلص منها بأن ليس من الضرورة أن يكون عدد أعضاء مجلس الأعيان نصف عدد أعضاء مجلس النواب، إذا كان الهدف الآن البدء بالتدرج في الإصلاح الديمقراطي وإزالة الخلل بمبدأ الفصل بين السلطات إلى حين إجراء التعديل الدستوري، لذلك فإن مجلس الأعيان يكون متفقاً مع الدستور حتى لو بلغ عدد الأعضاء ثلاثة فقط.
أما إذا كان الهدف هو أن يشكل حاجزاً أمام قرارات مجلس النواب ومشاريع القوانين التي يقرها خلافاً لرغبة السلطة التنفيذية وأجهزتها؛ وبالتالي يشكل عنصر الأمان للسلطة التنفيذية بتمكين السلطة التشريعية بغرفتيها تمرير سياساتها وقوانينها في حال عقد جلسة مشتركة؛ حيث إن ثلث السلطة التشريعية عندئذ تكون مُعيَّنة، وهذا بحد ذاته يثبت الخلل الدستوري الواضح الذي يمنح للسلطة التنفيذية الهيمنة على السلطة التشريعية؛ وبالتالي الالتفاف على ارادة الشعب التي يعبر عنها في انتخابات دورية ونزيهة، تفرز مجلساً نيابياً حقيقياً ممثلاً كافة قوى الشعب السياسية والفكرية والحزبية.
أما المادة 64 من الدستور فتنص على «يشترط في مجلس الأعيان أن يكون قد أتم أربعين سنة من عمر، وأن يكون من احدى الطبقات التالية:
«رؤساء الوزراء، والوزراء الحاليون والسابقون، ومن أشغل سابقاً مناصب السفراء والوزراء والمفوضين ورؤساء مجلس النواب ورؤساء قضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية، والضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعداً، والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين، ومن ما كل هؤلاء من الشخصيات الحائزين ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن».
فالقارئ والمحلل لنص هذه المادة يتبين له بوضوح أن أعضاء مجلس الأعيان فيما لو لم تنطبق عليهم هذه المواصفات والمؤهلات يكون تعينهم مخالفاً للدستور.
والسؤال: هل فيما صحت الشائعات عن تقديم أكثر من ثلاث آلاف شخصية سيريهم الذاتية، أو أكثر من ألف حسب شائعات أخرى نضيف عليهم المادة 64 من الدستور؟ أم هل سيتم تجاوزها وتفسير واسع لمن ماثل هؤلاء الشخصيات...!! استجابة لضغوط شللية أو جهوية أو أمنية أو غيرها.
لذا للخلاص من ذلك، فالأولى إلغاء مجلس الأعيان، والاكتفاء بمجلس النواب وفقاً لقانون انتخاب يحترم المواطنة والتعددية، ممثلاً لإرادة الشعب وفق اعتماد النتائج النسبية للقوائم الحزبية التي تمكن الأغلبية من تشكيل الحكومة.
وهذه من أبسط مبادئ وأركان الديمقراطية