الرسم بالتخيلات



كل واحد منا ، صغيراً كان أم كبيراً ، يحاول أن يرسم نفسه ، ويتخيل صوراً كثيرة مختلفة ومتنوعة لذاته ،ويستنفر كل طاقات مخيلته لجمع أكبر عدد من الصور وعندما تكتمل عنده عملية الجمع تبدأ مرحلة الاختيار ويدخل هذه المرحلة وهو في رضا تام عما جمع من الصور التي يراها جميعها مهمة ، وتليق به ، من هنا تكون مرحلة الاختيار مرحلة صعبة تُدخله في دوامة القلق وعدم الرضا ، وهذا ما يدفعه إلى اختيار أكثر من صورة ، فهو لن يرضى مهما كان أن يتأطر في صورة واحدة ، لأنه يرى في نفسه مجموعة من الشخصيات، لذا لن تختصره شخصية واحدة حتى لو كانت تجمع أعلى نموذج لقمة الهرم السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي والعلمي معاً .
ولو أردنا أن نستعرض نماذج من الصور التي جمعها فنرى نابليون وابن الخطاب وديكارت وصلاح الدين وأوناسيس وتولستوي وابن خلدون بما تمثله هذه الأسماء من قمة هرم مجموعتها لذلك نراه في وطنه يسعى أن يكون صاحب السلطة السياسية والسلطة المالية والسلطة الدينية والسلطة الاجتماعية والسلطة العلمية ، إنه يرى نفسه أو يرسم نفسه على قمة هذه السلطات مجتمعة ، ولن يرضى بأن يخسر واحدة منها ، من هنا نجد مثل هذا الشخص يتحرك في مكانه ولن يصل إلى شيء أبداً ، فالذي يريد الكل حتماً سوف يخسر الكل .
لو عدنا لاستعراض الشخصيات التي أراد أن يكونها سوف نجد الصورة الغائبة دائماً عنه ، ولم يفكر أن يكونها ، فهو لم يفكر أبداً أن يكون أباً ناجحاً ولا زوجاً مخلصاً ولا عاشقاً متيماً ، ولا موظفاً صغيراً منتمياً ،ولا ابن وطن عاشق لترابه ، لم يفكر بصورة الأخ الحنون ، والصديق الوفي والجار الساتر للعيوب ، لم يفكر أن يكون إنساناً ولو لمرة واحدة .
رحم الله جبران حين قال " ويل لأمة كل فرد فيها أمة "