بعد جريمة ألـ"واتس آب"

عدا التذمر الشعبي من غلاء الأسعار وزيادة الضرائب، فإن توقيف مجموعة من الشباب بتهم تقويض الحكم، وتعريض الأردن للخطر، ومحاكمتهم في محكمة أمن الدولة هو ما يؤزم الشارع، وأصبح الشعار الأساسي في المسيرات والاحتجاجات التي تنظم أيام الجمعة على قلتها.أرى أن محاولات "تأديب" الشباب بتوقيفهم لا تحقق هدفها، وتخلق شرخاً مع الدولة يتعدى حدود المعتقلين إلى فئات كثيرة داخل المجتمع لا ترى في "السجن" أداة للحوار مع الناس المختلفين مع الحكومة في إدارتها للبلاد.لست محامياً، ولم أطلع على تفاصيل الاتهامات الموجهة للشباب أمام محكمة أمن الدولة، وبعضهم مضى على توقيفه أشهر، لكن المؤكد أن استمرار إحالة ناشطي الحراك لمحكمة أمن الدولة مخالف للدستور، وأيضاً للمعاهدات والمواثيق التي وقّع وصادق عليها الأردن، وتأخذ صفة السمو على القوانين الوطنية.لا أعرف لماذا اللجوء إلى محكمة أمن الدولة، والملك يطلب من حكومته تعديل القانون وعدم محاكمة المدنيين أمامها، ولماذا هذا الإصرار العجيب على تشويه صورة البلاد في تقارير المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان التي تعتبر ذلك خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان وتعهدات الأردن؟!.يبدو أن الحكومة غافلة عن أن المراجعة الدورية الشاملة لسجل الأردن في حقوق الإنسان والتي تتم كل أربع سنوات أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف ستكون في 24 من الشهر الحالي، ولن يملك الوفد الرسمي الأردني الكثير من الحجج للرد على أسئلة واستفسارات الدول عن هذه الاعتقالات لأنها تمس حرية التعبير ضمن المعايير الدولية، ولن يجدي تقرير الحكومة الذي يعدد الكثير من الإنجازات عن التقدم الذي أحرزته في مجال حقوق الإنسان، لأن الواقع والمعلومات يشي بشيء آخر، ولأن وفداً من مؤسسات المجتمع المدني الأردنية سيحضر في جنيف ليقدم الحقائق من وجهة نظر أخرى.منذ اليوم الأول للحراك الشعبي في الأردن، وأنا ممن يطالبون بتوحيد المطالب والشعارات، ولكن هذا لم يحدث، ما أضعف الحراك وشتت صفهم، وسمح بالشطط في شعارات بعضهم، وهو الأمر الذي أتاح للمتصيدين أن ينالوا من صورة الحراك وسلميته.وبعيداً عن الاتهامات الموجهة للعديد من الموقوفين، فإن رسائل عن الهيئة الشعبية للدفاع عن معتقلي الحراك موجهة للمؤسسات الحقوقية تندد بأساليب الاعتقال التي لم يعهدها الأردن، وتشير إلى رفض وعرقلة السماح للمحامين بحضور جلسات التحقيق، ووضع هؤلاء الشباب في مهاجع المجرمين الجنائيين، وبعضهم مصنفون خطرون، وتلك الممارسات إن صحت فإنها مثيرة للقلق، وتكشف عن تحول غير إيجابي في التعامل مع المعارضين وحرية التعبير.أكثر ما أثار دهشتي هو توقيف أحد الشباب بتهمة تعريض أمن المملكة للخطر بسبب رسائل شخصية على الـ"واتس آب"، ولكل من يعرف أبسط قواعد استخدام الموبايل يدرك أن الـ"واتس آب" عبارة عن رسالة شخصية وليست وسيلة نشر، وبالتأكيد ليست من وسائل العلنية.إذا كانوا سيحاسبون الأردنيين على ما يرسلونه من رسائل عبر الموبايل، أو استخدامهم للفيسبوك والتويتر، فإنني لا أتصور كم سيعتقلون، فمعظم المحتوى للرسائل هو انتقاد وحتى "شتم" للحكومة وللدول الشقيقة والصديقة، هذا عدا عن الرسائل والصور "الإباحية".من المخجل بعد كل ما يبذله الأردن ليتقدم في سجل حقوق الإنسان، ويفاخر بأنه من الدول المتقدمة في استخدام تكنولوجيا الاتصالات، أن يبدأ بمحاسبة الناس على ما يبوحون به عبر موبايلاتهم، ووسائل التواصل الاجتماعي.لا حل أمام الحكومة إلا بإغلاق هذا الملف، والتوقف عن إحالة شباب الحراك لمحكمة أمن الدولة، ومن يخالف القانون بنظر الحكومة فإن القضاء النظامي كفيل بإحقاق العدالة.nidal.mansour@alghad.jo