خطاب الملك ..صـراحة القول وجرأة الحق
ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في خطابه بالجمعية العمومية لم يقله سواه من زعماء الارض, وكان به من البلاغة والفصاحة ما ألهب العقول قبل القلوب , وبه من جسارة القول المعلن ما يفوق همس القادة ورجال الساسة في صدورهم , ويخشون اسماعه حتى لانفسهم, وبه فهم لقضايا العالم بأكثر مما يعرفه المختصون , وتضمن حلولا تجعل البشرية تنعم بالحرية والامن والامان , وكله مصداقية بوصف الواقع دون خداع لاحد او انحياز لاخر , وانما نطق بالعدالة التي تعطي كل ذي حق حقه , غير ناصر لدين على دين ولا لمذهب على مذهب ولا لطائفة على اخرى , انما هي العدالة الانسانية التي تحترم كل ما خلق الله وسرت بجسده الروح .
تاج ونبراس خطاب الملك انه ((ثقة)) اصغوا لسماعه بحرص شديد لانه ثقة, وانتظروه بصبر لانه كذلك , اخذوه بجدية لانه صادق , انه وصفة علاجية من طبيب ماهر كفؤ لكل امراض المنطقة والبؤر الملوثة , التي استعصى واستفحل بها المرض منذ سنين , فآن اوان الشفاء لهذه الاجيال المظلومة التي كتب عليها حياة الخوف والرعب والجوع والحرمان , التي لم تعرف عيونهم الا الدمع وقلوبهم الا الالم والحزن , هؤلاء الذين نلهج لهم بالدعاء, يا من اشفيت ايوب -عليه السلام- اشفهم وعافهم .
في مجال الامن العالمي , كانت الرسالة واضحة , انه متعلق ومرهون بأحداث الشرق الاوسط (( سوريا , فلسطين , الارهاب)) وان المنطقة مشتعلة بالحرائق , وسنة الطبيعة ان لم تُطفأ الحرائق ستقوى وتمتد وستصل حتى لمن ظن انه في منأى عنها وبعيد , وحتى انتم يا من اشعلتم النيران هنا في هذه الديار , ديار الشرق وانتم تعيشون في اقطار وامصار بعيدة , فاعلموا ان هذه النيران عائدة اليكم قريبا , فكل فعل له رد فعل, يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه , فإن انتم زرعتم الارهاب وغذيتموه لينجز ما ترغبون به نيابة عنكم فإنه عائد اليكم لا محالة .
لم يتردد الملك بالقول , ان البيئة الارهابية التي اوجدت في منطقة الشرق الاوسط قد خرجت من القمقم , واستباحت كل المحرمات , فسارع المتطرفون لتأجيج الانقسامات العرقية والدينية ( والعالم كله خاضع لاديان ومذاهب وعروق ) فكيف يغدو الامن العالمي كله , يا من ظننتم ان الارهاب سيبقى هنا وسيموت هنا وانتم تنعمون بالامن , فكان جلالة الملك , ينادي ويقرع جرس الخطر العالمي , افيقوا من سباتكم ايها الواهمون .
قالها الملك بفخر واعتزاز وعمق ايمان , يوم دُنس الاسلام و وُصف بكل الصفات الظالمة , قالها الملك الهاشمي , موضحا ومدافعا صادقا غير آبه, ان الدولة الاسلامية دولة مدنية , يرتكز عملها على المؤسسات , يحكمها القانون والعدالة وحرية العبادة , تدعم المساواة بين مختلف الاطياف العرقية والدينية, هذا هو الاسلام الذي تظنون به الظنون , سلم لسانك ايها الفارس الهاشمي , وجزاك الله خيرا عن الاسلام والمسلمين الصادقين , وعن العرب جميعا, "مادة الاسلام” .
لم يجد الملك المعظم حرجا ان يقول امام العالم بأن بلدي الاردن يعد رابع افقر دولة في العالم , وان اقتصرت على مصادر المياه , فالجمع كله يعرف فقر الاردن , ولكنه اغنى شعوب الارض عزة وشهامة , تقاسم لقمة العيش مع شعب فلسطين , و آوى العراقيين واحتضن السوريين , وقال للعالم ان كنتم صادقين في رسالتكم الانسانية فطبقوا المبادئ التي تنادون بها من حقوق الانسان وسارعوا لتقديم العون للمهجرين , نداء الزام لترك الشعارات الكاذبة الى التطبيق الفعلي بالوقت الذي قدم الشكر لمن دعم ولم يبخس الناس اشياءهم لكن الحاجة تفوق مقدار الاستجابة .
وقال جلالته عن القضية المحورية التي كاد ان يصمت عنها العالم ( فلسطين) فاعادها الى الصدارة واشار بوضوح الى القرارات الاحادية الكثيرة والمتسارعة التي تصدر عن اسرائيل, ودول التأثير في العالم صامتة صمتا مقصودا , سبقه تنسيق ربما اخذ شكل الاقناع حيناً وشكل التهديد حيناً, وهي لا تبالي بما يحدث للعالم , على اي جنب كان مصرع الدولة او تلك , فالمهم مصالحها والحفاظ على قوتها .
ثم اعلن الملك امام العالم الذين يراقبون مراحل سير الفوضى الخلاقة , ان ربيعنا اصلاح متدرج مستمر , مبني على رؤى واعية رسمت اهدافاً واضحة , تمر من محطات متتابعة , انجز منها الكثير والهمة مندفعة بتروٍّ وعقلانية لانجاز الكثير , وافتخر الملك بشعبه واصفاً اياهم بالقدرة على العطاء والبناء, وانه جعل للاردن موقعاً على الخارطة الاقليمية و الدولية , وان الاردن بلد مميز بين اقطار الكون .
هذا هو جهد الملك , وهذه هي صراحة القول والجرأة بالحق , وهذا هو الفهم الصحيح للعالم كيف يفكر وماذا يريد , وهي ورثة ورثها عن الراحل الكبير باني نهضة الاردن المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه , فحري بالشعب الاردني , واحقاقا للحق وعرفانا بالجميل , ان نقول للملك شكراً .
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه .