صندوق التقاعد المدني...الى اين؟
لن اخوض في ايجابيات وسلبيات التعديلات التي تمت على قانون التقاعد المدني المتعلقة بالرواتب التقاعدية للوزراء واعضاء مجلس الأمة ،وردود الفعل الكبيرة التي صاحبت اقرار مجلس النواب لهذه التعديلات ،لأنني ارى ان هناك جانبين رئيسيين يجب بحثهما وحسمهما قبل الخوض في التعديلات المذكورة ،الأول فيما يتعلق بالألتزامات الكبيرة المترتبة على صندوق التقاعد حاليا والالتزامات المستقبلية المتوقعة وسبل مواجهتها ،والثاني تحديد الوضع المستقبلي لصندوق التقاعد فيما اذا سيتم تخفيض نفقاته تدريجيا للوصول في المستقبل البعيد الى صندوق واحد للتقاعد والضمان الاجتماعي ام الأستمرار بالتعامل مع موضوع المتقاعدين ضمن صندوقين وقانونين مختلفين الى مالانهاية .
فيما يتعلق بالألتزامات الحالية على صندوق التقاعد ،لابد من البيان ان فاتورة التقاعد المدني والعسكري وصلت الى حوالي مليار دينار هذا العام ، في حين ان الأقتطاعات التقاعدية التي تقتطع من الموظفين وتحول للخزينة سنويا لاتزيد عن 24 مليون دينار .
اما الألتزامات المستقبلية فمن المتوقع ان تشهد تزايدا كبيرا خلال السنوات القادمة نتيجة التقاعد المتوقع لما تبقى من العاملين في القطاع الحكومي والعسكري الخاضعين لقانون التقاعد المدني ،ونتيجة لدخول متقاعدين جدد لصندوق التقاعد ،بالأضافة الى الكلفة الكبيرة المتوقعة لتغطية الفجوة بين الفترة التي يتقاعد بموجبها العديد من العاملين في الأجهزه العسكرية (الذين تم تحويلهم لمظلة الضمان الأجتماعي اعتبارا من عام 2003) والتي تكون عند عمر40-50 عاما وبين الفترة التي يحددها قانون الضمان الأجتماعي للحصول على راتب تقاعدي من الضمان الأجتماعي بعمر 55-60عاما .
هذا وقد تم انشاء حساب خاص في وزارة المالية للتحوط لتقاعد العسكريين المبكر وتم رصد المخصصات اللازمة في الموازنة بواقع 3 ملايينن دينار سنويا لمواجهة الأعباء المالية الكبيرة المتوقعة ان تترتب بدءا من عام 2023 .
اما فيما يتعلق بالتوجه المستقبلي لصندوق التقاعد فلابد من البيان انه تم خلال تطبيق الأردن لبرنامج التصحيح الاقتصادي البدء بأصلاح نظام التقاعد المدني والعسكري ،وتم على اثر ذلك تحويل الموظفين والعسكريين الى مظلة الضمان الأجتماعي بدلا من مظلة التقاعد المدني حيث تم تحويل الموظفين المعينين في القطاع الحكومي اعتبارا من عام 1995 والمنتسبين في الأجهزة العسكرية والأمنية اعتبارا من عام 2003، وذلك بهدف الحد من الارتفاع المتزايد لفاتورة التقاعد والسير نحو تخفيضها سنويا لنصل فيما بعد الى صندوق واحد للمتقاعدين سواء في القطاعين العام أوالخاص وهو «صندوق الضمان الأجتماعي « ،الا ان ما نلحظه حاليا ان قانون التقاعد والتعديلات التي اجريت عليه مؤخرا ستبقي الباب مفتوحا لدخول متقاعدين جدد الى الصندوق وبالتالي استمرار العمل بقانونين وصندوقين للتقاعد مختلفين بالشروط والمعطيات ،واستمرار تزايد الأعباء المالية سنويا.
ان تزايد الالتزامات المترتبة على صندوق التقاعد سنويا وتوقع تزايدها خلال السنوات القادمة بشكل كبير تستدعي وضع استراتيجية واضحة لمواجهتها وبيان الأجراءات التي ستتخذ حيالها تجنبا من الوصول الى حال تصبح فيه الخزينة غير قادرة على تحمل قيمة هذه الأعباء، حتى وأن استطاعت فسيكون ذلك على حساب تخفيض النفقات الرأسمالية الذي سيؤدي انخفاضها الى التأثير سلبيا على النمو الاقتصادي المنشود ،لذلك لابد من البدء بالعمل من الأن ضمن الجوانب التالية:-
- اجراء دراسة عاجلة لبيان حجم الالتزامات والاعباء المالية التي ستترتب على صندوق التقاعد خلال العشرين سنة القادمة ، مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزامات المستقبلية التي تم ذكرها اعلاه واثر التعديلات التي تضمنها قانون التقاعد المعدل .
- اعداد خطة تهدف الى الوصول في المستقبل البعيد الى قانون واحد للتقاعد والضمان الاجتماعي من خلال اقتصار تعامل الصندوق حاليا مع من سبق وان تقاعد بموجب احكام قانون التقاعد المدني والتوقف عن ادخال متقاعدين جدد للصندوق ،والتعامل مع من سبق وان تقاعد من صندوق الضمان الاجتماعي ضمن قانون الضمان وفق معادلة تراعي حقوق المتقاعد والمؤسسة .واجراء التعديلات على التشريعات بما تتوافق مع هذه الخطة.
اعادة احياء وبحث موضوع التجيير الذي سبق وأن اقترحته مؤسسة الضمان الأجتماعي بهدف تحويل من يرغب من الموظفين الذين مازالوا يعملون في القطاع الحكومي والخاضعين لقانون التقاعد (المقدر عددهم ب 30 الف موظف) الى مظلة الضمان الأجتماعي ضمن معادلة تراعي مصالح الخزينة والمؤسسة والمتقاعد ،وهذا من شانه ان يخفض من الالتزامات المستقبلية على الصندوق ،اضافة الى منح من يرغب من العاملين في القطاع الحكومي و من يرغب من المجازين خارج البلاد حرية الانتقال للعمل في القطاع الخاص .
زيادة المخصصات التي يتم رصدها سنويا لموضوع التقاعد المبكر للعسكريين الخاضعين لقانون الضمان الأجتماعي من 3 الى 10 ملايين دينار سنويا على الأقل ، كون المخصصات الحالية لا تكفي لمواجهة الالتزامات الكبيرة المتوقعة مستقبلا