صالح ارشيدات: محنة المفكر السياسي مع الذين يقلبهم الهواء
خالد أبو الخير
هواه القومي تعطر منذ طفواته المبكرة بياسمين دمشق ونسيم النيل، وما زال، يعشق الياسمين والافاق التي لا تحد.
الدكتور صالح ارشيدات يراه كثيرون وزيراً سابقاً ويذكرونه نائباً، بيد ان قلة تدرك أن وراء هذا الشعر الاشيب والوقار الهاديء، انسان رائع ومثقف وبسيط، لطالما قرأ الواقع واثراه، وصبا لتغييره.
لا يجد مكانه في الابراج العاجية وانما بين الناس، فلا قيمة لفكر او لقرارات منفصلة عن واقع الحياة، وبعيدة عن المعنيين بها.
مرة حين اصر البنك الدولي على رفع اسعار مياه الري، وكان وزيرا للمياه والري، ارتأى ان يشكل لجنة يكون من اعضائها ممثلي الاغوار في البرلمان مصطفى شنيكات والمرحوم محمود الهويمل، وهكذا كان.
برايه اننا كنا زمان احسن.
احسن على صعيد الادارة والاداء الحكومي ، احسن في الخدمات والعمل والتعامل والخلق الوطني.
ولا يعوزه، ان يمعن التفكير فيما وصلنا اليه، معلناً انه لا بد من اعادة النظر واجراء مراجعة حقيقية بلا "لجان":" نريد ارادة وطنية وأن نتحرك بدافع ذاتي للتغيير".
يقر باننا خلال العقود القليلة الماضية تطورنا جداً، على كل الصعد، لكنه يستدرك: "أزمة الطاقة باتت تهدد كل ما بنيناه، فمن غير المعقول ان تذهب نصف الميزانية وما يعادل 22 في المائة من الدخل القومي على استيراد البترول، وهي اعلى نسبة في العالم".
وربما لهذا السبب يشغل ارشيدات حاليا منصب الامين العام للهيئة العربية للطاقة المتجددة " البديلة".
ويتابع: ما جرى في المنطقة العربية من ربيع يدعونا الى اجراء المراجعة التاريخية، نحن شعب جبار ورائع وفاهم ومسالم، وقادرون على استشراف المستقبل، والعمل معاً للبناء الجديد، حتى الاسلاميون منخرطون في المشروع الوطني، وجلالة الملك اول من تحدث عن الاصلاح ومكانه بالضبط في مقدمة الركب".
ثم يضيف، الرجل الذي يتبؤأ المركز الاول حاليا في حزب التيار الوطني: المشكلة اننا لا نجد الجدية المطلوبة من المؤسسات، ورؤية الملك حول الدولة المدنية والتعددية يجب ان تطبق وتترجم الى خطوات وافعال وتشريعات وقوانين.
ويضرب مثالا في لجنة الحوار الوطني التي استعجل باخراجها فغادرها الاسلاميون. لكنه يصر على ان اللجنة حققت الكثير خصوصا بشأن قانوني الانتخاب والاحزاب.
يضيف: جاء عون الخصاونة وقال ان قرارات اللجنة غير ملزمة له، وجاء فايز الطراونة والغاها.
ويستذكر لجنة الاجندة الوطنية التي قدمت افكارا متقدمة تؤكد على المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، قائلا: ايضاً فشلوها..!
:اين اذن العمل المؤسسي.. سؤال يطلقه ارشيدات ويظل يدور ويدور.
ويجادل بانه رغم ذلك الا ان الكثير تحقق، من قبيل التعديلات الدستورية وانشاء المحكمة الدستورية التي تضمن عدم التعدي على الدستور وان تكون القوانين دستورية. "المشكلة ان الناس تنسى ما تحقق ولا يحكون الا بالسلبيات".
يشكو ابو مروان من انتشار مراكز القوى في البلد، اذ ان كل شخص صار رئيس وزراء يصير تلقائيا مركز قوى يمارس الشد العكسي.
يشير خلال عمله سفيرا للاردن في المانيا التي درس في جامعاتها، ان القيادة الالمانية مهتمة بالاردن وتحترم وتقدر جلالة الملك. ولهذا السبب تقدم المانيا الكثير من المساعدات للاردن في مجالات المياه والطاقة وانشاء الجامعة الاردنية الالمانية.ويدعو دائما الى تعزيز وتمتين هذه العلاقات.
يرى الملك عبد الله الثاني ذكيا لماحاً وسباقاً الى كل خير. ويتذكر اثناء عمله نائبا لجلالته حين كان اميرا، في اتحاد الكرة، انه تعلم من جلالته الكثير.
وحول دوره الحزبي يشرح ارشيدات انه حين سمع جلالة الملك يتحدث عن ضرورة انشاء حزب يعبر عن الاغلبية الصامتة : "شعرت ان هناك مهمة وطنية مطلوب انجازها فسارعت واخوان لي الى انشاء الحزب. ثم.. فوجئت بعد ان جرت انتخابات 2010 ان عملية بناء الاحزاب لسه بدري عليها".
يشعر ابو مروان بخيبة الامال جراء ما جرى في انتخابات 2010، خصوصا عندما ترك الحزب مجموعة من الذين وصلوا الى البرلمان، فضلا عما حدث في انتخابات 2013.
وبرغم كل ذلك الا انه يرى ان البرلمان الحالي قوي.. واستطاع ان ياخّذ الحراك من الشارع ،ونشط العمل المؤسسي والمشاركة.
الرجل الذي تحدر من اسرة سياسية فوالده شفيق ارشيدات، كان علما من اعلام النضال الوطني، لم يكن بعيدا عن السياسية طيلة حياته، وإن اخذت الرياضة وتحديدا كرة السلة جزءا من جهده وتطلعاته. فقد لعب حين كان شابا للنادي الارثوذكسي.
في العام 1980 عمل ارشيدات على تشكيل التيار الوطني الى جانب فارس النابلسي، جمال الشاعر، رجائي المعشر، مروان الحمود، واتفق بعد عامين على تشكيل حزب سياسي اقترح له اسم "الحزب العربي الدستوري". لكن التجربة لم تكتمل بسبب من المناخ السياسي الذي كان سائداً انذاك.
مطلع التسعينيات ساهم بتشكيل التجمع القومي الديمقراطي الذي لعب دورا محوريا وجاء عدد من اعضائه وزراء في الحكومة التي شكلها طاهر المصري عام 1991.
يتذكر ارشيدات انه اضطر للدخول في صراع مع محمد فارس الطراونة انذاك، لكي يوافق على ان يكون وزيرا في الحكومة.
لا يتصف ارشيدات بالتشاؤم فهو يرى اننا ما زلنا قادرين على الاصلاح والتطور، ويدعو الى تنمية العمل الحزبي والعقل العرب عبر الصرف على البحث العلمي.
ارشيدات الذي ولد في اربد عام 1946، ويقطن حاليا في شارع اربد بضاحية عبدون العمانية، ما زال لاربد في قلبه مكان.. وللبساطة والعمل السياسي والفكري الرصين والجاد.. كل الامكنة. وربما لهذا السبب يجد الذين يقلبهم الهواء، كيفما هب، صعوبة في فهمه والتعامل معه.