التخلص من المعونة ...التحرر من التبعية


إلتقط الحراك الشبابي المصري المستنير ، والمتحرر ، التواق ، مثل كل المصريين ، وأغلبية العرب إلى إستكمال خطوات التحرر الوطني ، فالتخلص من الإستعمار الأجنبي ، حصل في عهد عبد الناصر من الإستعمار البريطاني المباشر ، وكما سعى السادات ، لتحرير سيناء من الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي ، ولكنه لم يكتمل ، ولم يتوج بالخطوات السياسية والإقتصادية ، لأن السادات ومبارك أوقعا مصر في قيود معاهدة كامب ديفيد ، وإبقاء مصر أسيرة للمعونة الأميركية ، وعلى المساعدات الأوروبية واليابانية ، وهي لم تكن نزيهة ، ولن تكون ، بل هي مكبلة للمواقف المصرية ، على المستويات الوطنية والقومية والدولية ، ولا تستطيع مصر ، إتباع سياسة وطنية قومية أممية مستقلة ، بسبب كامب ديفيد ، والمعونة الأميركية والمساعدات الأجنبية ، المرصودة لثلاثة جهات مصرية هي 1- معونة عسكرية للجيش المصري وأجهزته الأمنية ، و2- للحكومة ومشاريعها المدنية ، و3- لمؤسسات المجتمع المدني ، كي يكون التأثير الأميركي قوياً داخل مسامات المجتمع المصري ، وقادرعلى توجيه مؤسسات صنع القرار المصرية رسمياً وشعبياً ، بما لا يتعارض مع المصالح الأميركية بل ولخدمتها ما أمكن ذلك .

ومصر في هذا المجال شأنها في ذلك شأن العديد من البلدان العربية التي تقع تحت وطأة عاملي 1- المديونية و2- العجز في الموازنة ، وصولاً للعامل 3 - المتمثل بالحاجة للمساعدات الأجنبية ، وحصيلة العوامل الثلاثة هي ربط السياسة الوطنية لكل بلد عربي يتلقى المعونات المالية والإقتصادية والعسكرية والأمنية ، بذيل سياسات الدول المانحة وخدمة مصالحها أو على الأقل عدم التعارض معها .

حملة " إمنع المعونة " مبادرة مصرية بإمتياز ، وصل فهمها وقناعاتها ، وسلوكها إلى " ضرورة إستقلال القرار الوطني المصري عن أي قوى خارجية تؤثر عليه ، بأي شكل من الأشكال ، ومن بينها المعونة " كما يقول تامر هنداوي المتحدث بإسم حملة " إمنع معونة " وأن حملة التوقيعات الشعبية ضد المعونات الأجنبية التي تكبل السياسة المصرية ، مستمرة في جهودها ، حيث تجاوز الموقعون على وثيقتها ، لأكثر من نصف مليون مواطن مصري ، وكذلك في التوعية الشعبية ، عبر المطالبة والعمل على توقف تلقي المعونات الأجنبية التي تحد من إستقلال قرار مصر الوطني والقومي والأممي .

البلدان العربية تقع ضمن ثلاث مجموعات ، الأولى تلك التي تحتاج للمساعدات الأميركية الأوروبية مقابل أنها تستمع لنصائح واشنطن وتستجيب لها ، والمجموعة الثانية هي تلك البلدان التي لا تحتاج للمساعدات المالية ولكنها تحتاج للحماية الأمنية وهي بلدان الخليج الستة ، وهي أيضاً تستمع للنصائح الأميركية وتعمل بموجبها ، والمجموعة الثالثة هي تلك البلدان العربية التي لا تعتمد على المساعدات المالية ولا تحتاج للحماية الأمنية وهي دائماً محل نزاع وشقاق وتصادم مع الأميركيين والأوروبيين وسياساتهم بدءاً من عبد الناصر وصدام حسين واليمن الجنوبي وإنتهاءاً بكل من لا يمد يده لهم .

مبادرة " إمنع المعونة " هي سياسة الشعوب التواقة لكامل الإستقلال السياسي والإقتصادي ، ويجب النظر لها بإحترام ، لأنها خطوات الأستكمال للتحرر الوطني ، وبدونها يبقى الوطن أسيراً للفقر والجوع والحاجة ، وتجربة الإخوان المسلمين في حكم مصر أكبر دليل على ذلك ، بقبولهم لكامب ديفيد وشروطها ، وتوسطهم بين حماس والعدو الإسرائيلي ، وتوقيع تفاهمات القاهرة بينهما تحت رعاية الرئيس محمد مرسي ، فالموضوع لا تحكمه الشعارات والرغبات ، بل تتحكم فيه الحقائق والوقائع ومتطلبات الحياة .

h.faraneh@yahoo.com