اجتماسية



قد يرى البعض أنني قد وُفقت في دمج الكلمتين – اجتماعية وسياسية – في كلمة واحدة " اجتماسية " ، وقد يرى آخرون عكس ذلك ، أما أنا فأرى أن هناك ما دفعني إلى هذا الدمج ، ليس تبريراً لكن الأمر كما أراه حقيقة نعيشها ، فعندنا في هذا الوطن يتداخل السياسي بالاجتماعي تداخلاً يكاد يكون بصمة من بصمات تركيبتنا العامة .
الإنسان الأردني " يا سبحان الله " وُلد سياسياً بالفطرة ، واجتماعياً بالاكتساب البيئي ، والعائلي ، فمنذ نعومة أظافره " إذا كانت هناك نعومة للأظافر" يحب "فلان " ويكره "علان " ، وقد لا يملك سبباً للحب أو الكره ، وبعد أن يعي قليلاً يبدأ بفتح ملف التقسيمات ، والقوائم التي لا تنتهي ، وأول ما يبدأ بالتصنيف أبناء العمومة والخؤولة ، فهذا موالي ، وذاك معارض ، هذا سلفي أو شيوعي أو مثقف يساري أو صايع هامل من يومه ، وهذا بلطجي وهذا ابن حلال ، ودائماً أولاد الحلال قلال ، وبعد التصنيف الذي لم يأخذ منه وقتاً طويلاً أو تفكيراً عميقاً يبدأ بتحديد علاقته مع الجميع ضمن ما وصل إليه ، وتبقى الصفات التي أطلقها قائمة إلى وفاة صاحبها . هذه العلاقة الاستباقية نراها واضحة يوم الانتخابات البلدية أو النيابية ، ويكون الاصطفاف ضمن دوائر التصنيف السابق
الإنسان الاجتماعي في وطننا هو صاحب كلمة مسموعة من المريدين ، وإذا أحسن توظيف هذا الأمر يصبح صاحب الحل والربط في حل النزاعات العادية والمستعصية عائلياً وبامتداد جغرافي معقول ، لكنه حين يتسلم منصباً سياسياً يتداخل عنده السياسي بالاجتماعي ، وهو غير قادر على فصل ذلك لأنه ابن بيئته الاجتماعية وعندها يقود دفة السياسة بالدق على الصدر " وتكرموا " " والله ما بتطلعوا إلا خاطركو مجبور " " وجيرة الله على العشا " " لا يهمك كلو عندي " عبارات تفيد كثيراً في الحياة الاجتماعية وهي التي أوصلته إلى منصبه السياسي ، وهي العبارة السحرية هناك ، ولكن ليس هنا ، وبهذا المنصب نكون قد خسرنا رجلاً اجتماعياً ذا كلمة مسموعة ، ولم نربح رجلاً سياسياً ذا قرار وطني .
صور تداخل الاجتماعي بالسياسي في وطننا كثيرة ، وكلنا يملك ألبومه الخاص من هذه الصور ، ونحن لا نطالب بالفصل ، كما لا نطالب بالوصل ونقول إن لكل مقام مقال ، والأمور السياسية تُعالج سياسياً لأنها مصلحة وطن وليست مصلحة فئة من المجتمع ينتمي إليها السياسي ، والأمور الاجتماعية تُعالج اجتماعياً لأنها مصلحة أفراد محددين أصحاب مصلحة خاصة آنية في أغلب الأحيان ، فالسياسي ابن الوطن بقراراته والتي تنعكس إيجابياً على كل فرد في هذا الوطن ، والاجتماعي ابن فئة قليلة استجارت به لحل نزاع آني .
نحن بحاجة إلى رجل اجتماعي ذي هيبة وجاه يكون مصلحاً توفيقياً لفض النزاعات والخلافات بين الأهل وأبناء العشيرة ، ودور هذا الرجل ذو أهمية كبيرة لنشر المحبة بين لأفراد المجتمع ، كما ونحن بحاجة إلى سياسي ورجل دولة تكون قراراته بحجم الوطن ، ولا يجوز تداخل الدورين .
الاجتماسية التي نعيشها تُلغي الدورين معاً ، ويضيع معها جهد الرجلين ، ومع ذلك نرى إصراراً من الاثنين على حمل البطيختين معاً ، فليرحمنا الرجل السياسي باجتماعيته ، وليخفف عنا الرجل الاجتماعي بتدخله بالسياسة