فاقد الدهشة والتطبيع...!


- كعادته حين يكون فاقد الدهشة مقهورا ، لا يجد غيري يستمع لهذيانه ويتحمل نزقه ، شتائمه وسُبابه وصب جام غضبه على أمة الفرنقع ، التي تطايرت كما حبات البُن في المحماس ، أو كما وصفها الحشري مثل حبات البُشار في الطنجرة المُحكمة الإغلاق .
-للتذكير ، "أنا فاقد الدهشة وفاقد الدهشة أنا" ، مجبولان بطين الأردن وفلسطين ، نؤمن بوحدة بالديار الشامية ، وما نزال على علاتنا نتداول خراريف وحكايات الأجداد والجدات ، نزور المقابر ونبكي زمن الطُهر والبراءة ، ونتحسر على قانون المحبة الفطري ، الذي تداعى على أعتاب عصر الرِدة ، يتسيَّد فيه الرويبضة المشهد ، ويرتفع شأن الفناصين ، المخادعين ، المتسلقين وأدعياء الوطنية ، ولهذا وجدت نفسي اليوم منسجما مع صديقي اللدود فاقد الدهشة ، حين تساءَل عن بعض من شلة ما يُسمى مقاومة ومناهضة التطبيع ، وإن كانت هي من ذات العصابة المُتفيئة تحت فسطاط المقاومة والممانعة...! ، أم إن كانت أزيد بؤسا ، في سعيها وفعلها ، تهذر بكلام حق يُراد به باطل...!.
- فإن كانت مناهضة التطبيع ومقاومته لعزل الكيان الصهيوني ، هي حالة نضالية ذات قُدسية ، فإن زيارة فلسطين والقدس ، والتواصل مع الشعب الفلسطيني ، هو أهم فعل نضالي في هذه المرحلة ، التي تشهد تغوُّلا يهوديا على مقدساتنا المسيحية والإسلامية في فلسطين ، حتى أصبح الشعب الفلسطيني في الداخل تحديدا ، أحوج ما يكون لتعزيز صموده ، وتأكيد شراكة الشعوب العربية في حركة النضال الفلسطيني المستمرة وبأشكالها وأدواتها المتنوعة.
- وإذ استمع الحشري للحوار بين فاقد الدهشة وأنا ، فهو "الحشري" كمهووس ببعض الشعارات ، ما يزال يعتقد أن صلاح الدين الأيوبي سيظهر في أمة الفرنقع من جديد لتحرير القدس ، فتعالى صوت الحشري ، رغى وأزبد وصاح قائلا ، فعلا لا يُعجبكم العجب ولا صيام رجب ، ولا أدري ماذا تريدون...!
- فرط فاقد الدهشة من الضحِك ، كاد يُغمى عليه وإغتنم الفرصة بطلب تجديد غلاية القهوة ، كي يُعدِّل مزاجه ويُفند قصة التطبيع ، وما قبلها وبعدها من مزادات ، مزايدات وشعارات الفِشِنك ، التي بدأت بالقاهر والظافر ، ومن ثم مرت "بِ" يامحلا النصر بعون الله ، زنقة زنقة ، ، مقاومة وممانعة ، جايينك يا فلسطين ، زاحفين بالملايين ، ومن ثَم مناهضة التطبيع...! وغيرهذا وذاك الكثيرمن الشعارات البراقة المُفرغة من المضامين ، والتي تُستعمل للإستهلاك المحلي "المصلحي" ، وتُدر المال على بعض أصحابها ، تُلمع صورهم في الصحف وعلى الشاشات ، وهات يا حبيبي زِلم هات ، ويا فلسطيني أُصمد ، قاوم ، تحدى وتمرد ومن ثم لا بأس بالإعتقال ، الأسر ، التعذيب والموت ، فأرباب منصات الخطابة ، والشعارات الرنانة جاهزون لإحتفالات النعي ، مجالس العزاء والمؤبنين والبكائين واللطامات مستعدون ، ويهتفون القدس لنا وفلسطين لنا وستصلان بقوة الأوهام والأحلام ، إلى مجمع النقابات المهنية في عمان ، لكن سيتم هذا يوما ما على ورق ويافطات وجداريات...! ، حتى حق هنا القول ، ما هكذا تُورد الإبل يا سعد.
- لم يرض الحشري ، لم يقتنع بأن حال أمة الفرنقع كما حال الغُراب حين قال وقد بقي طيلة النهار ، نافشا ريشه ، متكبراً ، ويتعالى على كل أنواع الطعام من الزواحف ، الجيّف ، الحشرات والقوارض ، ولكن حين عضه الجوع وأفلس عند الغروب ، لم يجد ما يسد رمقه ولو ذبابة، كما لم يُصدق الحشري أن ما هو أشد إيلاما على النفس ، أننا كعرب بتنا نستجدي إسرائيل كي تعترف بنا ، وما يزال بيننا من يرى زيارة فلسطين ، القدس والصلاة في الأقصى المبارك تطبيعا مع العدو ، بدلا من أن تكون هذه الزيارة واجبا وطنيا لدعم معنويات الشعب الفلسطيني ، الذي هو أحوج ما يكون لرجال ونساء أمته يلتفون حوله ، يشدون أزره ، يقفون معه وإلى جانبه في صراعه الدموي مع يهود .
- وقد مضت لحظة صمت ، مارس خلالها فاقد الدهشة طقوسه ، ومارس الحشري هواية إرسال البوستات إلى الفيس بوك عبر هاتفه النقال، وفيما كنت منشغلا مع أهل البيت ، إثر جدل على دينار غاب عن مسرح الأحداث ، وإذ بفاقد الدهشة ، وعلى حين غرة يرتجف ، والدموع تتساقط من عينيه دماً ، يهدرم ، يُبرطم ويردد أبكيكي يا فلسطين ، أبكيكي يا قدس ، والمجد ليهود ما دامت أمتنا ، تشن عليهم حروب الأفلام السيمائية منذ عهد أقوام عاد وثمود ، حتى حين أفلست كما أفلس الغراب ، يتعلق أملها بذبابة التطبيع ، كحركة نضالية ناجزة ستحرر فلسطين والقدس ، وترفع راية الهيّلمان العربي على منصات الخطابة وعلى الجدران .
- مناهضة التطبيع ومقاومته ضرورة ، وزيارة فلسطين والقدس ومقدساتها ، والتواصل العربي الإسلامي مع الشعب الفلسطيني المنغرس في الأرض ، لا تقل ضرورة وقدسية إن لم تكن في هذه المرحلة أكثر أهمية ، فقصتنا في واقع الأمر هي فلسطين ، وكل ما دونها هوين. ولو كان بمقدوري لجمعت علماء المسلمين ، ودعوت إلى فتوى تُتيح الحج إلى المسجد الأقصى المبارك . فهل يتعقل المزايدون...؟