أرقام تثير الهلع!!
فيما يستغرق العالم في حروب كبرى وصغرى ينسى أن هناك أعداء يتفاقم عددهم وتتضاعف قوتهم من الطبيعة ذاتها، وما ينشر بالارقام عن التصحر الذي يقضم الأرض وما عليها ومن الجفاف المتزايد ينذر بكوارث لا يستخف بها إلا من قال ليأت من بعدي الطوفان، رغم ان الطوفان عندما يأتي يجرف عظامه أو ما تبقى منها في القبر ويغرق أحفاد أحفاده.
ان من يقرأ الأرقام المعلنة عن عدد الذين يموتون في كل دقيقة على سطح هذا الكوكب من الجوع يشعر بالخجل ولا يجد طريقة يعتذر بها لآدميته كي يستعيد توازنه، فآخر الاحصاءات التي نشرت مؤخراً تقول بأن العالم يفقد في كل دقيقة اكثر من عشرين هكتاراً من الأرض بسبب التصحر وعشرة هكتارات بسبب تدهور التربة، اضافة الى خمسة وعشرين هكتاراً من الغابات والاشجار.
وقد تكون حروب الماء القادمة أشد عنفاً من حروب النفط والذهب وشهوة العدوان والتوسع، لأن الانسان عندئذ سيدافع عن بقائه حياً، لكن ما يقرع من أجراس لا يصل رنينه الى أحد وسط هذا الزحام والضجيج.
لقد تحولت الطبيعة حاضنة البشر وأمهم التي كانت رؤوماً ذات يوم الى عدو تستطيل أنيابه في كل لحظة، كأنها تدافع هي الأخرى عن نفسها ضد هذا العقوق البشري، فهي أيضاً لها حقوق لكنها منتهكة وما من أحد ينطق بلسانها ولو استطاعت الأشجار والأنهار أن تتكلم لمشت في مظاهرات لكنها على ما يبدو فضلت الفعل على الكلام وبدأت تمارس انتقاماً لا أحد يحزر نهايته!
ويتحمل الاعلام الداجن والمسيّر عبئاً من مسؤولية التجهيل بما يحدق بالانسان من أخطار، لأن هناك دولاً يهمها نشر الأنباء عن مجاعات وكوارث في بلدان أشد منها فقرا، وهي لا تدرك بأنها تحظى بمرتبة السيّء نسبة الى الأسوأ، وان المريض لا يستعيد عافيته لمجرد أن يشاهد الموتى، باعتباره افضل حالاً منهم، رغم انه يسعى بقدميه الى حتفه وهو آخر من يعلم!
لقد اصبحنا نخشى معرفة المزيد من المعلومات والأرقام عن الكوارث القادمة، والتي يحجبها عنّا حروب مجنونة وانتحارات جماعية تحت عناوين طائفية واثنية وعرقية، فالمعرفة تتطلب على الفور تدابير استدراكية وهذا ما لا نملكه كأفراد.
ان كوكباً أكثر من ثلث ساكنيه مشردون وجياع وجهلة ومرضى هو بالتأكيد كوكب مُحْتل وَمُخْتل معاً، وحين تغيب العدالة على هذا النحو المتوحش فإن كل حديث عن السلام والمستقبل الآمن هو مجرد ثرثرة لا تختلف كثيراً عن تجشؤ المُتخمين وهم يشاهدون عن بعد هياكل عظمية تسعى بحثاً عن أي شيء يسد رمقها لأن أسمالها المهترئة كانت آخر وجبة التهمتها!!