الطلاق .. هل تكمن المشكلة فيه أم في النظرة اليه؟



في تقرير نشرته صحيفة الرأي صباح هذا اليوم 22-9-2013 عن موضوع الطلاق في الاردن تم بيان عدد حالات الطلاق المسجلة خلال العام 2012 لدى دائرة قاضي القضاة، وفي سياق التقرير تم اخذ رأي احد الاخصائيين في علم الاجتماع والذي قدم بعض النصائح للحد من هذه "الظاهرة"، ثم ختم التقرير بالعبارة التالية "الطلاق مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد كيان المجتمع الاردني خاصة بعد ارتفاع نسبة الطلاق بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية."
ياللهول.. الطلاق مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد كيان المجتمع الاردني، من قال هذا الكلام؟ ولماذا نردد عبارات جاهزة دون ان نفكر في محتواها؟ ولماذا نطلق انذارات وتحذيرات حول وجود خطر مزعوم يهدد كيان المجتمع؟ لنعد الى ارقام التقرير نفسه لنرى كيف ان النتيجة التي وصل لها تناقض الارقام التي تحدث عنها هذا التقرير.
يقول التقرير ان عدد حالات الطلاق المسجلة في الاردن بلغ خلال عام (4800) حالة منها (3810) حالة طلاق قبل الدخول، اي ان حالات الطلاق المسجلة بين ازواج فعليين بلغت (990) حالة طلاق خلال عام كامل وعلى مستوى المجتمع الاردني باكمله، بربكم هل هذا الرقم يشير الى تفشي ظاهرة او ينذر بخطر بالغ كما يقول التقرير؟
لقد لفت نظري هذا التقرير وجذبني لقراءة تفاصيله لاني سبق وان سمعت من عدد من الخطباء تركيزهم على ما اسموه ظاهرة تفشي الطلاق والتي يرون انها دليل على فساد المجتمع وتراجع منسوبه الأخلاقي نتيجة ابتعاده عن الله، ويتم عادة تسويق الموضوع بهذه الطريقة العاطفية من خلال الخطاب الديني بحيث يصبح الموضوع وكأنه حقيقة غير قابلة للجدل او حتى لاعادة النظر، ويبدو ان من أعد التقرير وقع تحت تأثير هذا الخطاب وانطلق من فكرة اقتنع بها مسبقا لدرجة انه نقل الارقام دون ان يكلف نفسه عناء النظر بها وقفز فورا الى نتيجته المعدة مسبقا وهي ان الطلاق ظاهرة خطيرة يجب التصدي لها لانها تهدد كيان المجتمع الاردني.
بعيدا عن تأثير الافكار المسبقة والمسلمات التي تعطل العقل عن التفكير العلمي كيف يمكن قراءة ارقام التقرير؟ كيف يمكن قراءة حقيقة ان الاردن سجل خلال عام كامل (990) حالة طلاق فقط؟ وأقول فقط لأمهد لقراءة اخرى غير تلك الواردة في التقرير. ان هذا الرقم يدل على ان الطلاق في المجتمع الاردني لا يشكل اي ظاهرة على الاطلاق اما تلك الحالات التي تسمى طلاقا والبالغة (3810) حالة انفصال قبل الدخول فهي اكثر من طبيعية وهي عبارة عن مشاريع زواج لم تنجح لاسباب انسانية ومجتمعية كثيرة لا مجال للخوض فيها الان.
ان ما يجب اعتباره ظاهرة فعلا هو ذلك الرقم المتواضع جدا لحالات الطلاق والذي يدل على ان المجتمع الاردني ما زال ينظر بكثير من التحفظ لفكرة الطلاق ويعتبرها عارا يلحق بالطرف الاضعف في معادلة الارتباط الا وهو المرأة، مما يعني ان الكثير من الزيجات القائمة لا تعكس ما ينبغي ان تكون عليه مؤسسة الزواج من تفاهم مشترك بقدر ما تعكس حرص الازواج والاهل على الابقاء على شكل المؤسسة الزوجية الخارجي حتى لو أدى الامر الى الانخراط بحياة ملؤها التعاسة والنكد.
هذا هو بالضبط واقع الطلاق في الاردن وتحت تأثير هذا الواقع الذي يقدم العادات والتقاليد على الشرع الذي أباح الطلاق ولم يدنه بأي صورة من الصور سنجد الكثيرين من الازواج وخاصة النساء يقدمن تضحيات كبيرة في سبيل المحافظة على مظهرية الزواج وهو امر ينعكس بالضرورة على مخرجات هذه المؤسسة الزوجية والمتمثلة بالابناء الذين يدفعون دائما ثمنا باهضا من خلال تسديدهم لفاتورة أبوين ألزمهما المجتمع بالعيش تحت سقف واحد دون ادنى حد من التفاهم بينهما هذا ان لم يكونا قد وصلا الى مرحلة البغض الشديد.
ان ما يجب التركيز عليه فعلا هو اعادة تشكيل النظرة المجتمعية للطلاق بحيث تزال الاعتبارات السلبية من هذه النظرة ووضعها في اطارها العقلي والشرعي الصحيح، لا أن نعيد التأكيد في كل مناسبة على ان الطلاق داء اجتماعي رهيب ونتعامل معه كتعامل منظمات الصحة مع الاوبئة التى تسعى للقضاء عليها.
abdrf@yahoo.com