كيف أسقطت جدّتي مشاريع النوادي الليلية ؟

يقال والله اعلم أن الرسام المحترف والفيلسوف الفرنسي إدغار ديغا (1834-1917) رفض يوما رسم لوحة زيتية لما يجري داخل إحدى الملاهي الليلية في إحدى المدن الفرنسية ليلة من الليالي , قائلا : بهذه اللوحة المطلوبة مني وأنا قادرا على رسمها بدقة عالية جدا حتى أدق التفاصيل القذرة فيها , بهذه اللوحة لا أريد أن يصبح اسم هذه المدينة للأجيال القادمة(مدينة الخطيئة) .
يبدو أن مشاريع النوادي الليلية عندنا هذه الأيام مطلوبة وعليها العين كما يقال , ويبدو أن زبائن ورواد النوادي الليلية يزدادوا يوما بعد يوم , ويبدو أن بعض التجار بدؤوا بدراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع , وان ترخيص الراقصات قاب قوسين أو أدنى , هنا لن أتحدث عن شكل ومضمون هذه النوادي لأنها مخزية ولأنني بصراحة لم ادخلها بحياتي قط , لكن اعرف حق المعرفة أن في هذه النوادي الليلية (معارك) ليلية حامية الوطيس , ساحاتها حمراء , الكل منتصر فيها ، هذه الساحات يدخلها المقاتلين مسرعين , ويخرجوا منها منهكين , نعم هذه النوادي الليلية كساحات القتال , نون النسوة فيها تسقي العطشى , وواو الجماعة منتصرة , في هذه النوادي الليلية غبار المعركة بلون قوس قزح الشتوي , وحرس الحدود عفوا حرس الأبواب صامدون يتلذذون على الانتصارات والصرخات التاريخية , مرسوم على أكتافهم العارية أفاعي مخيفة باللون الأخضر, وخناجر تسيل منها الدماء باللون الأزرق , مرسوم على زند(أعلى الذراع) حرس الأبواب رموز عبدت الشيطان , وضحايا النوادي الليلية .
بصراحة كنت أتمنى أن تكون جدّتي على قيد الحياة لأطرح عليها سؤالي المحذور هذا السؤال هو : ما الفرق بين الحانة والنادي الليلي والملهى ألليليي والمرقص ؟ في الوقت الذي لم تكن مشاريع النوادي الليلية موجودة أيام جدّتي , لكن بصراحة السر كان عندها , واعتقد وبخبرتي التامة بجدّتي سيكون جوابها (كلها فيها لعانة والدين)! نعم السيرة الذاتية لجدّتي حاضرة عندي , وسأقدم لكم شيء منها , ليس من اجل أن تحصل جدّتي على وظيفة في القطاع العام أو القطاع الخاص , فهي لا تصلح للأسف الشديد هذه الأيام , لأنها كانت تحرث وتزرع وتحصد وتعجن وكانت تخبز وكانت تحترم فراش زوجها ليلا ولا تغادره , , جدّتي منذ سنوات عديدة نفسها مطمئنة , رجعت إلى ربها راضية مرضية , جدّتي لا تقرأ ولا تكتب , جدّتي تخرجت من مدرسة الحكمة , هذه المدرسة شاملة لجميع مناحي الحياة , جدّتي كانت تمتلك منظومة قيم رفيعة , جدّتي وبكل صراحة كان يتلون وجهها جمالا فقط من الحياء والاستحياء , ويمسح وجهها ترشحات من العرق , يجففها نسيم نوافذ غرفتها المطّلة على قناديل البيادر الليلية , جدّتي خاضت معركة الحياة وانتصرت بأخلاقها , جدّتي كانت َ تقص علينا (ليلا) أحسن القصص , نعم كانت جدّتي تقص علينا (ليلا) أحسن القصص , بهذه القصص المشبعة بمنظومة القيم الرفيعة أسقطت جدّتي كل مشاريع النوادي الليلية !
لقد تمّمت وكمّلت جدّتي فينا مكارم الأخلاق , قصص جدّتي الدافئة جعلت (ليلنا( سباتا وجعلت نهارنا معاشا , لقد مزّقت جدّتي تذاكر النوادي الليلية من ذاكرتنا قبل ظهور مشاريع النوادي الليلية , هذه النوادي الليلية جمعت في المضاجع نون النسوة وواو الجماعة بغير حق , فكان ما كان , واختلط عندها الحابل بالنابل , على قصص جدّتي الليلية سهرنا ونمنا وحلمنا وكبرنا , وكبر معنا صون الجوارح والأعراض , على حرارة قصص جدّتي الليلية والتي ما زالت فينا أسقطت جدّتي برودة أهل النوادي الليلية التي تفوح منها رائحة دماء الخنازير النتّنة , بحكايات جدّتي المروعة عن تلك النساء الكاسيات العاريات والمائلات المميلات تكون جدّتي قد أسقطت مشاريع النوادي الليلية .
نحن في هذا البلد الطيب بأهله الطيبين بحاجة لأمثال جدّتي , بحاجة إلى جلسات مسائية دافئة , جلسات مسائية محترمة , جلسات مسائية يخرج منها رائحة القهوة العربية الأصيلة , ورائحة خبز الطابون , ورائحة المطر , ورائحة الأرض التي حركتها أذيال ثوب جدّتي الطويل الطاهر , المطرز بدحنون قلعة عجلون وقلعة الكرك , نحن في هذا البلد الطيب بأهله الطيبين وبقيادته الهاشمية الطيبة بحاجة إلى النساء العفيفات أمثال أمهاتنا , والى الرجال الشرفاء أمثال آباؤنا , لنمضي على نفس طريقة جدّتي في إسقاط مشاريع النوادي الليلية , كي تكون عمان مدينة الأخلاق , مدينة النِعْم , مدينة ملائكة الرحمة , لا أن تكون عمان لا قدر الله مدينة الخطيئة , مدينة عبدت الشياطين المرجومين في الدنيا والآخرة .