زيد الرفاعي: ارستقراطي السياسة.. لا بد من عمان مهما طال السفر!

اخبار البلد - خالد أبو الخير
أقر بداية ان ليس لدي ما أزيده على ما كتبه زملاء في زيد الرفاعي، تلك الشخصية الثرية ورجل الدولة منقطع النظير، لكن فليغفر لي الزملاء إني ما كنت لأمر على خبر خضوع "ابو سمير" لعملية جراحية، مرور الكرام، دون أن اتعرض لشخصه بالتحية والزهور والتقدير، فرجل مثله، مارس السياسة لزهاء خمسة عقود من الزمان، وترك بصمته في أردننا الذي يظلننا، وفي نفوس اجيال عاصرته في مواقعه كلها، منذ التحاقه بوزارة الخارجية عام 1964، ومرورا برئاسته للوزراء عدة مرات، حتى اخر مناصبه رئيسا لمجلس الاعيان .
ليس دولة "ابو سمير" بحاجة الان إلى غير الى الدعاء الى الله له بالصحة والشفاء العاجل، وليس في جبعتي الا بعض كلمات وفاء- وهو الوفي إذا عز وفاء- لرجل اعطى للسياسة معنى، واضفى عليها من نفسه وجهده ما أنسنها.
للاسف لم اعرف الرفاعي الاب الا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين كانت تعقد في مكتبه في مجلس الاعيان، جلسات خاصة، ولم يكن يرفض ان يؤمها صحفيون أو مواطنون عاديون جاءوا للسلام عليه، لكنه لا يلبث ان يُذكّر، استجابة لطبيعته الكتومة، بان كلام المجالس يبقى فيها.
ولطالما استوقفني الرجل بخلقه ودماثته، وطيبته، ونكرانه، وارستقراطيته دون استعلاء، ومقابلته خصومه ومهاجميه بالصفح الجميل ونسيان الاساءة، ولعل لسان حاله:" ليتهم يعرفون ما اعرف".
الرفاعي الاب رأى النور في عمان عام 1936، متحدرا من عائلة احترفت السياسة، فوالده سمير، من رجالات الرعيل الاول في الدولة الاردنية منذ عهد الامارة، شكل حكومتين الاولى عام 1944 والثانية 1947.
في جو مفعم بالحب والحياة والسياسة ترعرع زيد الرفاعي، وتشرب من تلك المدرسة ، ما ظل معينا له طيلة مسيرته.
درس الابتدائية في مدرسة المطران، وما زال في البال، رفاق صبا، واشجار ما فتئت تنفث اخضرها البهي واوكسجينها، ودروب يعشقها، يحن الى السير فيها، كلما عنّ له تذكار.
محطته التالية كانت كلية فكتوريا في القاهرة، في زمن القاهرة الجميل، حين كانت مؤل الفنون وميدان تباري الافكار والكتاب والمفكرين. ومن الكلية نال شهادته الثانوية، قفل بعدها عائدا الى عمان.. وكلما امعن في النأي، لا بد من عمان وإن طال السفر.
شد الرحال بعدها الى جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الاميركية، تلك الجامعة العريقة، وذات المكانة المرموقة، وحاز البكالوريوس في العلوم السياسية اولاً، ثم اكمل الماجستير في القانون والعلاقات الدولية في م جامعة كولومبيا .
انتظم فور عودته الى ارض الوطن في العمل بوزارة الخارجية سفيرا في القاهرة وبيروت والأمم المتحدة.
عام 1964 اختاره الملك الراحل الحسين للعمل في الديوان الملكي العامر ، وشغلمناصب رئيس التشريفات ، وأمين عام الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك المعظم ورئيس الديوان الملكي الهاشمي .
ومن مدرسة الحسين، باني الاردن الحديث رحمه الله، استقى الرفاعي الكثير من الدروس والعبر التي شكلت جزءا مهما من رؤيته،على الرغم من صعوبة المرحلة وسخونة الاجواء في تلك الايام.
عين سفيرًا للمملكة في بريطانيا عام 1971، وتعرض هناك الى محاولة اغتيال اثمة، تزامنت مع اغتيال رئيس وزراء الاردن الشهيد وصفي التل في القاهرة.
عاد في تلك الازمنة العاصفة ليشغل منصب المستشار السياسي لجلالة الملك، الى جانب الحسين ، حيث راقب مهارة الملك الربان في قيادة السفينة الى بر الامان.
عهد اليه بتشكيل حكومته الاولى عام 1973، والثانية عام 1985، ثم الثالثة عام 1989، التي اندلعت ايامها المظاهرات في الجنوب احتجاجا على رفع اسعار المحروقات، واختار ايامها ان ينسحب من المشهد بهدوء.
لكن الرفاعي لم يبتعد، فقد كان دائما موضع ثقة الملك الحسين "رحمه الله"، ولم يلبث ان جاء عضوا في مجلس الاعيان لعدة دورات، ورئيسا للمجلس عدة دورات، حتى اعتزل العمل السياسي يوم 12/12/2009 اثر تكليف ابنه دولة سمير زيد الرفاعي " أبو زيد" برئاسة الوزراء.
ثمة من يجادل بان الرفاعي الاب اعتزل السياسة حقاً، لكنها لم تعتزله ابداً.
في كل محفل كان يطل فيه ابو سمير، كان يلقى التقدير والاحترام ويشيع اجواء من الثقة والايمان بأن الاردن سائر الى الخير والتقدم، تحت لواء جلالة الملك عبد الله الثاني، وهو ايماننا الذي لا يتزعزع.
أسأل الله الشفاء لابي سمير.. وأن يعود الى عمان التي يحب، مكللا بالصحة والامل، فما زلنا نستمد العزم من ألق عينيه، وابتسامته المشعة، وما زلنا نتطلع الى وجوده بيننا. وجود الاب والاخ الكبير.