رصاصة في جدار الديمقراطية !


منذ صافرة البداية اندفع نشامى المنتخب اللعب بروح قتالية لاجتياز الملحق الآسيوي في طشقند،لحجز تذاكرهم على اول طائرة للذهاب الى الملحق العالمي. وبعزيمة تفلق الصوان اصروا على انتزاع نصر مبين من خصم عنيد على ارضه وبين جمهوره. نقطة الذروة في شد الاعصاب كانت عندما صد الحارس الامين عامر شفيع هدف الحسم التاريخي،ففجر دموع سبعة ملايين اردني وبعث الفرح فيهم.فوز يعكس قدرة الانسان الاردني وتميزه في التحدي والاستجابة،وتجاوز الصعوبات وتذليل العقبات. آنذاك لم يتمالك ابني الاصغر احمد "طالب هندسة ميكانيك" نفسه من الصراخ باعلى صوته: "الاردنيون لا يعرفون المستحيلَ حتى لو كان في اوزباكستان".

*** على الطرف الآخر، اندفع نائب بروح لا مسؤولة ليسجل هدفاً تاريخيا قاتلاً في مرمى بلاده، في لعبة مناقضة للعبة الديمقراطية،ويعزف بأصابعه على زناد مدفعه الرشاش نغم الردة الى ما قبل الدولة،ولحن الرجوع لـ "داحس والغبراء".تصرف طائش شَكَلَ انعاطفة غير مسبوقة في السلوك النيابي،وقفز على السوابق السابقة من تراشق بالاحذية،سحب الاحزمة،تسفل لفظي بشتائم مقذعة بما تيسر من تحت الاحزمة وفوق الركبة،الى اللجوء لثقافة النار.فعلة جَسدّت اعلى درجات الرعونة في الاساءة للدولة،والقيم الوطنية.

*** هي ثقافة النار. ثقافة اصبحت ظاهرة مستفحلة مستقرة، وليست مجرد حوادث فردية عابرة.اسوأ تبعاتها وتفرعاتها ان مجلس النواب الذي يُشّرع القوانين،ويقود عملية الاصلاح جُلُ اعضائه مسلحين.جامعات علم ومدارس تربية بعض طلبتها يتزنرون بالمسدسات.موظفون كبار وصغار يحتفظون بادراجهم بقطعة نارية.فتيات يخبئن سلاحا في حقائبهن مع ادوات المكياج ،مراهقون يتمنطون بالسلاح كأننا على شفا حرب مدمرة رغم ان عاصمتنا الاثيرة عمان اسمها الحقيقي "مدينة الحب الاخوي" .

*** جرائم بشعة تُقترف يوميا في الشوارع والجامعات والمدارس والبيوت الامنة وعلى الطرق السريعة يذهب ضحيتها دكاترة مبدعون،طلبة متميزون،عائلات وادعة،رجال شرطة طيبون،عابرو درب مسالمون؟!. و الا ما معنى اطلاق نار في صالات الافراح،الجنازات،المساجد،المستشفيات، فتح جبهات في الانتخابات،استعراضات بالذخيرة الحية في الدبكات،مشاجرات بسبب عراك بريء بين اطفال،مذبحة لاجل نظرة عابرة ضحيتها جامعي.

*** السؤال المفتاح ، لماذا يحدث كل هذا عندنا ؟. الجواب السحري الذي يفتح مغاليق الابواب المشفرة هو التطاول على القانون والتراخي في تطبيقه،"فمَنْ أّمِن العقاب اساء الادب" ومد لسانه استهزاءً بالناس والحكومة. : قطع الغابات الحرجية في وضح النار،احتلال ارصفة المشاة في كل مدن المملكة،شتائم تحريضية في الملاعب على تمزيق النسيج الوطني،تطاول على رموز الدولة،سرقة المياة من الخطوط الرئيسية والفرعية بلا خوف من سلطة و لا حياء من حرمان الاخرين في حقهم بالشرب،حفر الابار دون تراخيص،قطع الطرق الرئيسية لاتفه الاسباب،اشعال الحرائق لرسوب نائب ساقطٍ اصلا،التعدي على رجال الامن ،تحطيم السيارات،تدمير واجهات المحلات،تكسير المطاعم،خاوات،سرقة الاثار أي سرقة " الحضارة والتاريخ والسياحة".!.سلوكيات لا تنطوي على افعال جريمة فحسب،بل تعتدي على الكرامة الوطنية.

*** التقرير الذي نشرته القدس العربي على صدر صفحاتها بتاريخ 13/ 9/ 2013 تحت عنوان: "صراع بين الكبار والسرور يلمح الى وجود مجرم"، يكشف مدى الخراب في المؤسسة التشريعية،عنوان الديمقراطية "وقائدة الاصلاح" حيث ثبت انها بتركيبتها الحالية احد معوقات الاصلاح . الصدمة ـ كما ورد بالتقرير ـ ان نخبة برلمانية مشغولة في الصراع على المناصب و المكاسب،والتورط في نصب المكائد اكثر من انشغالها بالوطن.

*** الاخطر ـ من القدس العربي ـ ما تناقلته وسائل الاعلام الاجنبية المرئية والمسموعة والمكتوبة، والرسوم الكاريكاتورية ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة على الشبكة العنكبوتية عن "فشكة النائب" و"ثقافة النار الاردنية" موثقة بافلام عما جرى داخل المجلس الى القول الاستشراقي البغيض"ان الديمقراطية لا يمكن ان تنبت و تثمر الا في تربة اوروبية،لان الرمال العربية لا تُعطي سوى الاشواك لرعي الجمال....وغير ذلك من فاحش القول وكاذب الاتهام".اعتقاد تبناه المستشرقون،وآمن به مهندس خارطة الشرق الاوسط الجديد"برنارد لويس" عدو العرب و الاسلام ، و صاحب مشروع تفكيك الدول العربية الى كانتونات عرقية ومذهبية صغيرة متناحرة، تكون فيها "اسرائيل" الدولة الاقوى وواحة الديمقراطية الوحيدة.

** لا شك ان توصيات اللجنة القانونية لمجلس النواب بطرد النائب "ابو فشكة" وتجميد عضوية "ابو صفعة" بطريقة حازمة حاسمة قطعت ذيول المشكلة في سابقة مفصلية تُسجل لرئاسة المجلس.قرارات تشبه الى حد بعيد الاحكام الميدانية العسكرية في ساحات الحرب التي تُنفذ بصرامة وفورية درءاً للانفلات.توصيات اعادت للمجلس شيئاً من هيبته المتآكلة، لكننا لا نتفق مع ادعاء السرور باعادة كامل هيبتة،لان الهيبة تحتاج لقانون انتخاب عصري ـ المقام والمقال لا يتسعان لتعداد مساوئ قانون الصوت الواحد ـ، مشاركة كافة القوى السياسية،عدم اقصاء اي طيف سياسي،انتخابات نزيهة،نواب لا يعانون من أُمية سياسية او فكرية ولا يدينون بالولاء للشللية و المناطقية ،نواب يمتلكون الحد المقبول من اللياقة النفسية والاجتماعية،نواب قلوبهم على الوطن ومع الناس،لا على الوطن وضد الناس .

*** التجربة البرلمانية الاخيرة في "الحل الميداني" بات ضرورياُ اعتمادها لمواجهة الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي الزاحف علينا من الجهات الاربع ،كما بات الطرد والتجميد باحكام ميدانية فورية
واجب التطبيق على كل من تسول له نفسه محاولة تقويض اركان الوطن عند ارتكاب اي فعل مخالف للقانون ومناقض للوطنية الاردنية.

*** المحزن اننا نعيش في عالم متحرك يندفع بقوة هائلة للامام في جميع مناحي الحياة كأنه صاروخ عابر للقارات،بينما نحن مثل راكب دراجة ثابتة يزرب عرقاً وهو يتحرك في مكانه. المحزن اكثر ان المتحرك الوحيد عندنا هذه الايام ـ للاسف ـ هي قوات الدرك لفض المشاجرات.........! "ربِ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق اهله من الثمرات"انك سميع مجيب!!