مهنة صحفي

 

الأردن هو أكثر بلد عربي ينتج كتابا، أي متقاعد من الوظيفة في لحظة ما يصبح كاتبا ومن ثم صحفيا، وبعد ذلك من الممكن أن يصبح ناشرا.
وحين تفتح الصحف اليومية تجد اسما جديدا كل صباح قد انضم إلى قافلة الصحفيين في الأردن، والمشكلة أن المقال الأول غالبا ما يكون عن تفرد القطب الواحد بالزعامة في العالم.
وهؤلاء مع الزمن يصبحون (محاضرين) وضيوفا على ندوات ومنتديات ويزاحمونك في الأجور وبعضهم قد يغضب ويقول:- (ليش فلان بوخد أكثر مني)، وبعضهم قد ينتقد الدكتور فهد الفانك، واخر من الممكن أن يحزن على كتابات طارق مصاروة.
والمشكلة أن بعضهم ، يكتبون مواعظ وحكما ومن الممكن سرقة جزء من مقالات مؤرخين، وجزءا من حكم جبران خليل جبران ومن الممكن أيضا سرقة محمد عابد الجابري، والحديث حول شؤون الساعة....حول الدولة وحول اشياء كثيرة تبدأ بالمثل القائل :- (ع قد لحافك مد رجليك) وتنتهي بالميتافيزيقيا.
أنا لا اقدم نفسي، على أنني مقيم للناس في هذه المهنة، ولكنها مهنتي التي أعتاش منها ولا أعرف غيرها، ومؤخرا صار البعض يزاحمنا..لدرجة أنني قابلت أحدا مع سفير عربي يطلب موعدا من أجل، توجيه بعض الأسئلة، ويخبر السفير أنه يريد أن يكتب مقالا عن العلاقات بين البلدين ويحتاج لبعض المعلومات...والسفير كان معجبا ربما بلون ربطة العنق والقميص الأزرق المشع..ورتب للأخ الفاضل موعدا.
كيف يسمح لهذا الشخص الذي يكتب في صفحة، خصصت للمواهب..أن يتحدث باسم صحيفة انتجت مواقف سياسية أكثر مما أنتجت رأيا أو نقلت أخبارا.
على كل حال الصحافة، تحتاج (لغربلة)، لتحديد أولوياتها الصحفية، تحتاج أيضا لتحديد هوية العامل فيها من هوية العابر، نحن لم نخلق كمنبر لكل متقاعد أو لكل موظف قرر في لحظة كسل وظيفي أن يصبح كاتبا، ولم تخلق هذه المؤسسة لكي تكون مكانا للمتقاعدين كي يبحثوا عن انطلاقات جديدة.
في لحظة من العمر، أنا سأتوقف عن الكتابة،لأن ثمة جيل جديد أفضل منا وعيا وأكثر قدرة سيأخذ مكاننا، فمثلما أسس لنا محمود الكايد وسليمان عرار مكانا لكي نعبر فيه عن أنفسنا في صحافة اليوم، علينا أن نؤسس نحن أيضا مكانا لجيل قادم كي يعبر عن ضمير وطن وحياة شعب.
وعلى المؤسسة النجيبة بإدارتها وكوادرها أن تدافع عن هوية أبنائها،وكتابها وأن تعمد إلى (غربلة) كل ما ينشر في صفحاتها، فلم يعد هناك متسع..لمزيد من المتقاعدين ومزيد من الذين قرروا احتراف الكتابة.