مجلس النواب السابع عشر...أفرح أم ترح؟!


أولى الدستور مؤسسة البرلمان أهمية خاصة وقد افرد لها فصولا ثلاثة في دساتير الأردن المتعاقبة . ودقق الدستور في مقتضيات تنظيمها وممارسة عملها، لأن العمل النيابي صنعة حق وعدالة اجتماعية تمأسسها عدالة تشريعية. ذلك أنه عمل تشييد وإعادة صيانة تشريعات الدولة التي يفترض أن تنهض وتبقى دولة قانون ومؤسسات .

وفي مقال سابق كنا قد شهدنا بسابقة رائعة لمجلس النواب وهي السابقة التي أصر المجلس فيها على حقه في ممارسة مكنة التشريع . وذلك بصدد إقرار أو عدم إقرار قانون استقلال القضاء ....ولكنا اليوم نشهد صرخة وموضة جديدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مجالسنا النيابية وصلت إلى حد إشهار السلاح وإطلاق النار .
ولعل من أهم تحديات العمل البرلماني في بلدنا هو بعض النواب أنفسهم، بما يفرضون على ذواتهم من قيد وإرادة داخلية تجعلهم في منأى عن استيعاب مبدأ الفصل بين السلطات ،وما يجب أن يكون للسلطة التشريعية من ضمانات وصمامات أمان تحول بينها وبين هيمنة السلطة التنفيذية .

هذه الإرادة النيابية لدى بعض من هم في مجلس النواب وتحت قبة البرلمان، باتت تتجلى وفي ظاهرة مقلقة ومؤسفة في صورة حركات عضوية إرادية ولا إرادية من شأنها تقويض مبدأ السلامة العامة بل وحتى الحق في الحياة داخل أروقة المجلس، بل ومن شأنها عصف فكرة الديمقراطية من جذورها إضافة إلى من سيئ المساس بهيبة الوطن وسمعته.

ومما لا شك فيه ومما هو ليس بخاف على أحد ومنذ ولادة المجلس النيابي السابع عشر، أن من بين ظهراني نواب هذا المجلس من هو راغب في الخدمة العامة ويريد فقط إفساح المجال له. ولكن وللحق أيضا فقد برز ومنذ البدايات أن من بين النواب من هو حكومي الولاء وقد اطلعنا على هويته ومنذ البداية.... ومن بينهم (وهي الفئة الثالثة) من هو متربص لفرصة تطوير الصالح الشخصي (وكفانا شهيدا على ذلك حكاية توزير النواب وما انطوت عليه هذه الحكاية من مقلب حكومي ترك من يرتقب التوزير كمن يرقص في العتمة ).

ولا شك أن بعض النواب غائب عن الأداء وسر غيابة هو عدم فعاليته ومردودية عمله الايجابي. بل أن غياب بعضهم مزدوج ، فلا فعالية ومردودية ولا إفساح المجال لغيره ولا حتى كف أذاه عن غيره. ولعل السر يكمن في أن المجلس في علاقته مع الحكومة بات يعاني في بعض زواياه من ظاهرة التحوصل لصالح القرار الحكومي على حساب العمل البرلماني الخالص.

ألا يكفي المواطن أن الدور المحلي والوطني للنائب مرتبط فقط بموعد حلول الانتخابات ...أليس الوطن حقيق بنائب يرتقي إلى مستوى الالتزام الذاتي الذي يشكل حافزا مفصليا في بلورة سلوكيات ايجابية في حلقة العمل الجماعي وبروح الفريق، وفي اطر شفافة دونما اقتناص ممنهج لدوافع مصلحية. ألا يجب أن يكون الحوار مبنيا على أسس من الوضوح والانفتاح ومحصن ضد الصالح الشخصي؟!

لقد أصبحنا بحاجة لفكرة تقصي الحقائق عن علاقة النواب بالحكومات وغيرها من المؤسسات الدستورية وهذا من الاختصاصات الطبيعية للمجالس النيابية. بل نحن بأشد الحاجة إلى دسترة هذه المسألة - وأقول دسترتها لا قوننتها - لما لها من أهمية في سير العمل النيابي برتابة ونزاهة وانتظام .

وبصراحة بلغت تجربتنا الديمقراطية من العمر عتيا، ولا زلنا كشعب لا نحسن اختيار الأفضل كنواب ولا زال العمل البرلماني محدودب القامة والضمير. الأمر الذي جعل المواطن يشعر محقا أن فكرة الديمقراطية مجزوءة إلى ديمقراطية حاكمة وديمقراطية محكومة.

وأخيرا ما كتبنا لنجرح إحساس أحد، وكلنا الم للمخاض العسير لهذا المجلس ....ولكن خاطر الوطن بألف ألف خاطر.