ثلاث مكارم ملكية في يوم وليلة

بدأت الاحداث الاخيرة في جمهورية مصر العربية الشقيقة يوم الجمعة الماضي ، وفي مساء ذلك اليوم الذي لن انساه ما حييت ، رأينا ما رأيناه من انفلات في الامن، الامر الذي دفع بكل رجال حي الى حماية حيهم ،وحقيقة سيطر علينا الخوف والرعب ، وعليه بدأنا بالاتصال بسفارتنا التي كنا نعتقد كعادة دوائرنا الحكومية بانها لن تجيب ، وما اكد ذلك الامر  ان اليوم الذي اندلعت فيه الاحداث كان يوم الجمعة ، اي يوم اجازة رسمية،جاءنا صوت الاردن حنوناً ومطمئناً ، وقيل لنا لا تخافوا ونحن نتابعكم،وقد مد لي الشخص الذي هاتفته رقم هاتفه الجوال قائلاً اتصل بي ان حدث معك اي شيء طارئ ، وفي اي وقت ، شكرته وقلت ربما ان حظي جاء ان اجابني موظف ملتزم وجدي في عمله .

وفي اليوم التالي توجهنا الى مطار القاهرة ولم يكن معي تذكرة طائرة واردت فقط أن ارافق زميل لي في جامعة 6 اكتوبر الى المطار لانه خاف ان يتوجه الى المطار بمفرده نظراً للظرف الامني ، ، ورأينا الافواج  من الاجانب تهم بمغادرة قاهرة المعز ، ورأيت في المطار شخصاً وجهه مألوفاً لي ، ربما كنت رأيته على شاشات التلفاز من قبل ، وسألت الموجودين من الاصدقاء من هو هذا الشخص ، فضحكوا وقالوا لي انه السفير الاردني د.هاني الملقي ، فقلت لهم باستهزاء وبلهجة عامية( اكيد بدوا يسافر قبلنا ، طبعاً مهو خايف على حاله- مش هو سفير !!!!) ، ومر هذا الشخص من جانبي فنظرت اليه بنظرة استهزاء وازدراء اعتقد بأنه فهمها ، وتابعت الموقف لارى هذا الشخص يقف بنفسه ليجمع جوازات سفر الطلاب ويساعدهم واثنين من مساعديه لركوب الطائرة الاولى ، وقلت في عقلي ربما سيسافر على الطائرة الثانية ، واكيد بالدرجة الاولى وليس السياحية ، فهو سفير ....، وما اكد لي ذلك هو ان هذا الشخص لا يمكنه ان يخاطر في العودة مرة اخرى الى سفارته او منزله ، لكنه حتى ودعت زميلي الذي كان مسافراً على آخر طائرة ليلاً لم يسافر ، وهنا اقتربت من الرجل اريد تحيته ، لانني لم اصدق ، فقلت له بازدراء ربما معاليكم( كونه وزير سابق كما فهمت) ستسافرون غداً ، فاجابني ضاحكاً ولماذا يا بني ؟؟؟ فاجبته الاحداث مرعبة ، فوضع يده على صدري ، وقال لي اطمئن يا محمد ، ليس هناك ما تخشاه على نفسك ، وسالني لماذا انا لم اسافر ، فاجبته لانني لم اجد حجزاً بالدرجة الاولى او درجة رجال الاعمال، فقال لي هل انت جاد ام تمزح ؟ فقلت له لا يا سيدي انا فقط امازحك ، فانا لم اسافر من ضيق ذات اليد، وعندها وضع الرجل يده على رأسي ، بصورة شعرت بها انه والدي وقال لي ، لا تخف يا بني فاننا سنرتب الامور ، ومد لي رقم هاتفه الجوال ورقم هاتف آخر ، وقال لي اتصل بهذين الرقمين حتى لو كانت الساعة الثالثة صباحاً، ونحن في خدمتك، وفي الليل انتابني شعور بالقلق ، وكاد يتحول الى وسواس مرعب ، شعرت لاول مر ة بخوف شديد بعد ان سافر زميلي ، وأخذت افكر !! هل اتصل بالسفير ام بالرقم الآخر الذي اعطاني اياه ، فتبادر الى ذهني انه من غير اللائق ان اتصل بالسفير فالساعة كان 3.45 قبل الفجر !! فقلت ساتصل بالرقم الثاني وفعلاً ضربت الرقم الثاني وانا محرج ، لاسمع صوتاً منه يقول لي ،مساء الخير ، كيف حالك ، طمئني عليك ، فقلت له انا المواطن الاردني محمد حمدان ، فقال لي وانا القنصل الاردني محمد الشبار،كيف يمكنني خدمتك ؟؟ فاخبرته لا شيء فقط انا خائف !!فقال لي اين تسكن؟ فاجبته في منطقة 6 اكتوبر ، فقال لي يا محمد لا تخف انها منطقة آمنه ، واخذ يزيل خوفي شيئاً فشيئاً ، حتى ادخل السكينة في قلبي ، وعندها تجرأت على سؤاله فيما اذا كنت قد انهضته من نومه ، فاجابني لا ، فانا اسهر على خدمتك وخدمة ابناءنا ،وعندها سألته هل المواطن الاردني حقاً بهذه القيمة في بلده ، فبادرني بالسؤال اذا كنت احمل جواز سفري ولافتح الصفحة الاولى منه، فقلت له انتظر حتى احضر جوازي ، وبالفعل فتحت الصفحة الاولى وقال لي السيد الشبار بالحرف الواحد اقرأ بصوت مرتفع فقرأت ( باسم صاحب الجلالة الملك -الى جميع موظفي المملكة الاردنية الهاشمية بالخارج تحية - يرجى ....وتقديم كل حماية له) ، فقال لي ان هذه العبارة على جواز سفرك هي أمر ملكي من سيدي صاحب الجلالة لي ، وما علي الا ان اصدع لهذا الامر ، وقال لي انت غال على بلدك ومليكك ، ولولا ذلك لما تم وضع هذه العبارة على جواز سفر كل مواطن اردني ، فهي مكرمة ملكية تعني بان الانسان اغلى ما نملك.

 

وفي اليوم الثاني بزغ الفجر مع بشائر خير سمعناها من التلفزيون الاردني ، بان صاحب الامر ( جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم قد أنعم علينا بمكرمة ملكية سامية لتسفيرنا على نفقة جلالته ، فكانت المكرمة الملكية الثانية بحجم الحدث الذي تعرضنا له.

 

توجهت الى المطار ، وان فرح فوجدت هناك بنفسي الرجل الذي رأيته امس ، يقف وراء كاونتر الملكية ، وكانه موظف بسيط ، يساعد الاردنيين ، الصغير قبل الكبير، الفقير قبل الغني ؟ فتعجبت وقلت له لله درك ما أكبرك في نظري !! وعندما جاء دوري سألته الست انت السفير فقال لي : نعم تفضل ! سالته مستغرباً وهل تقوم بنفسك بهذا العمل لخدمة المواطنين فقال : نعم وضحك بطيبة ! فقلت له بالعامية ( يا كبير) فقال بأنه سفير جلالة الملك وبأن جلالة الملك هو الذي جعل الاردن كبير ، فقلت له عاش ابا الحسين على مكارمه ، فنظر الي باعجاب ! فقلت له انت لنا هنا فهذه اول مكرمة ملكية لنا ، وقنصلكم الاصيل هو المكرمة الثانية و السفر على نفقة جلالته كانت المكرمة الثالثة ، شكرأ لكم أبا الحسين الكبير على مكارمكم وكيف لا وانت ابن الاكرمين ، حفظكم الله مولاي المعظم من كل سوء وحفظ اردننا الغالي شامخاً بكم سيدي وبرجالاتكم الاوفياء المخلصين ، لقد تلقيت درساً بانني اغلى ما يملك الوطن.