لا تستعجلوا الحكم على حكومة البخيت
د. محمد احمد جميعان
يقتضي الحس بالمسؤولية ان نحدد الموقف من الاحداث المفصلية ،
وتشكيل الحكومات في وطننا حدث مفصلي له دلالات ، فهو تكليف ملكي يحدد مرحلة لها همومها ومقتضياتها ، وهو يبرز المحاور الاساسية التي يجب التركيز عليها ، وجاء كتاب التكليف الملكي لدولة الدكتور معروف البخيت واضحا ومحددا لملامح المرحلة القادمة حيث ركز على ان "تكون مهمتها الرئيسية اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤيتنا الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، لنمضي بها خطوات واثقة على طريق تعزيز الديمقراطية".
تذهب الحكومات وتاتي ويبقى الوطن واهله والنظام ومؤسساته ، واذا كان لي ان اصنف فاقول ان الحكومات ثلاث : حكومة داعمة ، وحكومة تسليك ، وحكومة استزاف ،
فالحكومة الداعمة تحكم بعقلية الدولة وتقود الرعية حسب نبض الشارع ودون استثارته واستفزازه، تتلمس حاجاته وتحاوره بمتطلباته ، تقرب الحكماء واصحاب الكفاءة الذين يريحون الناس وتبعد كل من لا يحسن العمل والتعبير،من نكهة الشعب وعمق وجدانه ، حراثون متواضعون وان علت شهاداتهم ومواقعهم ، رجال رجال لا تثنيهم الصعاب ، لا تنتظر ولا تراوح ولا تتردد ، فهي بذلك تعزز الامن بمواقف سياسية مقتدرة ، تساعد بفاعلية في دعم النظام ، ومعالجة الفقر والبطالة ومحاربة الفساد واحترام الحريات وتسعى الى الاصلاح والتطوير ...
وحكومة التسليك وهي كثيرة .. فهي تسير الاعمال دون استفزاز ودون ان تشكل عبئا على الامن ودون ان تستنزف شعبية الحكم ولكنها تفعل ما تستطيع عمله بشكل روتيني اقرب الى اداء الواجب ورفع العتب منها الى الابداع والسياسة ، تراوح مكانها وهي تحسب ايام بقائها ، تسعى للبقاء بالتراضي و" المساترة " بهدؤ دون اثارة وارهاق ...
اما حكومة الاستزاف فهي التي لا تحسن السياسة ولا تاخذ بمعايير الحكمة ، تغلب عليها عقلية الشركة وادارتها ومشاريعها ،ونفسية النبلاء واستعلائهم ، تتحدث ولا تفعل ، تضخم الملفات وهي صغيرة ، تسمعنا طحنا ولا نرى منها طحينا ، مستفزة للاوفياء المخلصين ولا تحسن محاورتهم، لا تراعي نبض الشارع واحاسيسه ، قيمة الوزير فيها مقدمة على ارادة الشعب وشرائحه ، وخطأ الوزير فيها يتحمله المدراء والامناء العامين خلافا لما معلوم ومعمول به في العالم كله .
وباختصار ان حكومة الاستنزاف تولد غير مقبولة في المزاج العام وتسير متخبطة مترنحة بالرفض وعدم القبول ، تعكر المزاج وتجعل الوطن واهله في حالة استثارة دائمة وكاننا في حالة طوارئ ، من بلبلة الى اخرى ومن وعكة الى ازمة دون ان تقدم للمواطن ما يريحه بل تعمل على استفزازه ، وهكذا تشكل ارهاقا للامن ، وتشكل استزاف للرصيد الشعبي للنظام لانها تعجز عن معالجة ازماتها بنفسها الا عند تدخل راس الدولة او مؤسساته الامنية ...
رحلت حكومة الرفاعي التي رافقت مسيرتها الاحتجاجات والمطالبات برحيلها ، في ظل ظروف اقليمية ملتهبة ، تعصف بالمنطقة يصعب توقع نتائجها ، وقد عجزت ان تجد لها قبولا رغم ما توفر لها من دعم سياسي وامني وبرلماني غير مسبوق..
ونحن الان امام رئيس مكلف لحكومة جديدة ، كانت تصريحاته في الساعات الماضية في فترة التشكيل منفتحة ومتفهمة وحوارية من عمق الوجدان الشعبي ، ومستعدة لفتح كل الملفات المطلوبة حتى وان كانت في عهد ولايته الاولى ..
دولة معروف البخيت رفيق سلاح من مدرسة جيشنا العربي ،كنا في ضيافته قبل نحو من الزمن ، كان واضحا وصريحا ومتواضعا ، مدرك لهموم الوطن ومشاكله ، ولديه رؤية واضحة للتشخيص والعلاج...
رايناه في ولايته الاولى وهو يكابد من بعض مراكز القوى المتنفذة التي لم تتح له العمل كما يجب ، وقد تكشفت له وادرك عمقها ولم يتحدث الا عن بعض ملامحها ، علما انها تكشفت لكل منصف متابع لادائه ، وكان لها دور في بعض ما جرى وكانت محل اشارة وتحليل من قبل المراقبين والكتاب الذين تناولوا على سبيل المثال ما جرى في الانتخابات 2007 او في موضوع الكازينو ..
لقد صبرنا اشهر طويلة بازمات واحتجاجات متتابعة حتى اقيلت الحكومة ، فلننتظر اياما او ساعات لنرى التشكيل والاسماء والبرامج للحكومة الجديدة عندها لنحكم ولكل حادث حديث...
drmjumian@yahoo.com
0795849459