معروف البخيت: ليس رئيس وزراء مكلف؛ بل رجل المرحلة القادمة
أخبار البلد- كتب تحسين التل:- لم يتعب يوماً من الحديث عن الإصلاحات خلال فترة حكم الذهبي والرفاعي، وهو يجوب الأردن طولاًوعرضاً، محاضراً ومنتدياً ومحدثاً في كل جلسة يجلسها مع أهل السياسة وقادة الفكر، ويكاد يكون الوحيد الذي حمل هم الأردن بين جميع الرؤساء السابقون، الذين ارتاحوا منذ زمن بعيد وتركوا شؤون الدولة لمن جلسوا بعدهم على سدة الرئاسة، فقد ذهبوا جميعاً الى أعمالهم الخاصة وتناسوا أنهم كانوا في يوم من الأيام رؤساء يرسمون سياسة الدولة وفق مصالحهم ومصالح شركاتهم، ومؤسساتهم، وكانت الرئاسة لا تعني لهم سوى ممرات ومعابر لجمع وزيادة الأموال وتكديسها على حساب المواطن الذي ابتلي بهم دون أن يكون له كلمة الفصل في قبولهم أو رفضهم، لأنه ليس صاحب قرار في تشكيل الحكومات، فالمهمة وفق الدستور هي للملك دون غيره، لكن؛ عند اختيار الرئيس يتم تكرار كتاب التكليف السامي لكل رئيس وزراء؛ وبالنتيجة: يحيد عنه، ولا ينفذ بنوده، بل يتجاهله لأسباب نعلمها جيداً، منها؛ إصطدام الرئيس المكلف مع قوى الشد العكسي، أو خروج أصحاب المنافع الشخصية على برنامجه الذي لا يتفقون عليه، ويعتبرونه موجهاً ضدهم، وضد مصالحهم في النهب واستغلال السوق والمتاجرة في دم المواطن، ويمكن أن يصحو بعض الرؤساء السابقون فيبدؤون الطخ، ويتحالفون مع كثير من مراكز القوى التي تحاول إفشال الرئيس في بداية عهده الحكومي.
نتحدث عن نموذج للصراعات عندما تحالف باسم عوض الله والذهبي؛ وراحوا يستغلون مراكزهم لاستحداث الشركات، العاملة والوهمية، أو المشاركة مع غيرهم في تأسيس المحافظ المالية، والدخول في البورصات المتعددة، وبالمقابل كانوا ومن معهم يؤثرون سلباً على مسيرة أي رئيس حكومة قادم؛ لإجباره على الإعتراف بهم على أنهم مراكز قوى لا يمكن تجاهلها، ويستطيعون أن يثبتوا الرئيس وحكومته الفاسدة، أو يسارعون الى ضربها والتعجيل برحيلها. هي مرحلة مررنا بها، من ضمن مراحل كان غيرهم يعملون وفق أجنداتهم الخاصة؛ وكل مجموعة كانت تعمل لصالحها ومصالحها وكأن الوطن أصبح مجموعة من المزارع للحيتان من أصحاب السياسة، والإقتصاد، والفكر والثقافة؛ مقسم تقسيم أيدولوجي، وعقائدي، وحزبي، وعشائري، وفردي، والشعب تائه بين هذه التقسيمات لا يملك شروى نقير.
معروف البخيت رجل مرحلة قادمة؛ لم يسكت وبقي يحاور، ويناقش، ويضع الحلول المستقبلية للعملية الديمقراطية، والسياسية، والإقتصادية، وكيفية تجاوز المرحلة التي تمر بها البلاد نتيجة تصرف القوى آنفة الذكر، وأخبرنا من خلال محاضرة من جملة محاضرات؛ أن التيارات السياسية العاملة في الأردن، تقرأ الحالة الأردنية من منظور فكري وعقائدي ضيق، وتنحاز في طروحاتها وأهدافها وبرامجها ليس الى ما يمثله فكر الأغلبية من الشعب الأردني، بل ينحاز الى ما يتفق مع أفكار الحزب؛ أو الأحزاب وما يتلائم مع برامجها الخادمة لأفكارها فقط، ورؤيتها للتغيير الذي يطالب فيه أغلب مكونات الشعب الأردني؛ يأتي في صلب البرنامج الذي يتحركون من خلاله للإصلاح والتغيير الهادف الى مشاركتهم مستقبلاً في العملية السياسية إذا تم ما يطالبون به، وهو: تعديل قانون الصوت الواحد ليصبح صوتاً للقائمة، وصوتاً للمواطن، وهذا يدل على أن مرحلة النضج الحزبي لم تكتمل بعد وإن قالوا أن لديهم برامج جاهزة تواكب أي تعديل مستقبلي على الحالة السياسية التي يسعون من أجلها.
المواطن الأردني ومنذ سنوات طوال لم يشعر أنه مشاركاً في عملية الإصلاح، لأسباب نجملها بالنقاط التالية:
- مشاركته في الإنتخابات النيابية؛ إذ كان دوره شكلياً بالمشاركة والتصويت، والنائب الذي تريده الدولة يفوز حتى لو لم يحصل على الحد الأدنى من الأصوات، والمرشح الذي يمتلك آلاف الأصوات؛ يخسر الإنتخابات لأنه لا يتفق مع سياسة الحكومة (أي حكومة) في عهد البرلمانات السابقة. ولهذا السبب ومع كل التطمينات الحكومية بأن الإنتخابات ستكون نزيهة وشفافة، أصاب المواطن الملل من المشاركة الفارغة، وبدأ يبحث عن طريقة لإيصال صوته ما دام أنه غير قادر على إيصال نائب لخدمته تشريعياً ورقابياً. إذ فقدت الحكومات مصداقيتها في البرلمان الخامس عشر، والسادس عشر، وهنا ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة موافقاً أو غير موافق على التزوير، لكن التزوير ربما يحدث من وزير بعينه وما يتبع له من أجهزة أمنية ومدنية، تنفذ عملية التزوير، وتغيير النتائج، وفرز المرشحين كما نعلم؟
- تجميد عملية الإصلاح السياسي؛ إذا لم يلتفت إليها المجلس النيابي، فالإصلاح يأتي من صلب عمل البرلمان، لكن إذا كان البرلمان فاقداً للمصداقية والشرعية بسبب تدخل الحكومة، ولا يملك إلا أن يكون مجلس خدمات، فالإصلاح لن يتم؛ لا من طرف النواب، ولا من طرف الحكومة، فالبحث عن الفرص، والسيارات، والشركات، والإثراء غير المشروع من كلا الطرفين؛ نواب وحكومة، سيجعل من عملية الإصلاح؛ ضرباً من المستحيل، وسيؤخر الدولة الأردنية سنوات مما يؤدي الى تفاقم المديونية وزيادتها، وعند وقوع الفأس بالرأس؛ تبدأ الحكومة بالبحث عن البدائل، والطريقة الأسهل لترميم الوضع الداخلي: فرض الضرائب، وتشليح المواطن ليغطي على سوءة الحكومة، وهنا يتخلى النواب عن الدولة، وتبدأ الإستجوابات.
- كيف سيكون هناك إصلاحاً سياسياً، والمواطن ممنوع من المشاركة، ولا يسمع صوته، وليس له أي تأثير في الحياة السياسية، بعد تهميشه، وتهشيمه بالضرائب، والأسعار، والبحث عن الخبز، وهو يرى الجميع وقد انشغل عنه بالبحث عن المكاسب؛ خذ مثلاً: الأحزاب العاملة، والبلديات، والبرلمانات، والحكومات، والملك هنا لا يستطيع أن يحل مشاكل المواطن في دولة مترامية الأطراف؛ وإن كان سعيه حثيثاً ويواصل الليل بالنهار لخدمة شعبه ووطنه، لكنه لن يستطيع إنجاز ما تنجزه القوى السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والشعبية مجتمعةً.
الإصلاح الذي أشار إليه دولة معروف البخيت يأتي ضمن أطر سياسية محددة بنوعية العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهو التعبير الحقيقي عن طبيعة الحياة السياسية في الدولة. العلاقة في الدول المتقدمة الديموقراطية: تفاعلية وأيجابية, بينما في دول العالم الثالث علاقة سلبية جامدة عموماً، وإصلاح هذه العلاقة أو تطويرها: الجوهر الحقيقي للتنمية السياسية، وهذا التطوير لايتأتى تلقائياً, لا بد له من الإستناد الى إرادة سياسية راسخة ورؤى إستراتيجية دقيقة، تقوم على فهم عميق لتشكيلات المجتمع وديناميكياته والبيئة المحيطة, وموروثه الأجتماعي والديني والحضاري. وبغير ذلك فإن كافة الوثائق الحكومية والتشريعات لايمكن لها أن تحدث أثراً ايجابياً في تطوير العلاقة إذا غابت الرؤيا الشاملة.
هناك أمراً لا مفر من البحث فيه، وهو علاقة الإصلاح والتنمية السياسية بالثنائية الأردنية الفلسطينية، وهي كما قال دولة معروف البخيت علاقة ضاغطة على السياسات الأردنية المستقبلية وعلى مجمل نظرية الأمن الوطني، إذ أن ثلث سكان المملكة هم أردنيون من فئة المهاجرين الفلسطينين، وهؤلاء؛ استناداً الى قرار الوحدة عام1950 هم مواطنون أردنيون مع الإحتفاظ بحقهم التاريخي في فلسطين: حق العودة. فإذا كان برنامج التنمية السياسية يستهدف أعلى درجات المشاركة السياسية، فإن على استراتيجية التنمية السياسية أن تبحث عن أشكال هذه المشاركة، ونطاقها، ومضامينها في إطار هذه الثنائية وضمن الأفتراضات التالية:
الأول: إحتمالات التوصل الى حل سلمي وإقامة الدولة الفلسطينية، وإيجاد حل نهائي لقضية اللاجئين الفلسطينين.
الثاني: إحتمالات التوصل الى حل إقامة الدولة الفلسطينية، والتوجه الى إلغاء حق العودة للاجئين.
وضمن هذه الإفتراضات, فإنه من المتوقع لبرنامج التنمية السياسية أن يأخذ اتجاهات مختلفة طبقاً لكل افتراض. فالأول مثلاً: يسرع العملية التنموية ويحفزها، والثاني قد يخلق تعقيدات غير منظورة، ويفرض عليها ضغوطاً سياسية واجتماعية عديدة، ويقود الى إبطائها وتقليل فاعليتها.
لتحقيق تغيير شمولي في الحالة الإقتصادية التي يعيشها المواطن والدولة بشكل عام، بسبب سياسات الخصخصة، ورعونة تنفيذ القرارات، والتسيب الحاصل في كل وزارات ومؤسسات الدولة، يجب أن يتم وضع برامج كبرى، تقسم الى: برامج رئيسية بعيدة المدى، وبرامج فرعية قصيرة المدى، مع تحديد أطر زمنيه، تبدأ الحكومة بتنفيذ البرامج الفرعية الذي يؤدي إنجازها الى تسهيل مهمة تنفيذ البرامج الكبرى.
أعتقد أن دولة معروف البخيت لن يكون رئيساً لحكومة اعتدنا على تشكيلها، ومناكفتها، والإستمرار بالطخ عليها إلى أن تستقيل ويتم تشكيل غيرها، حكومة البخيت ستكون حكومة مرحلة دقيقة وحاسمة في تاريخ الأردن، نتمنى لها النجاح، وأنا شخصياً كلي أمل بنجاح الرئيس الجديد، وعلينا أن ندعمه بكل طاقاتنا وإمكاناتنا لتحقيق الهدف المنشود... التغيير نحو الأفضل قادم فانتظروه.