حرب شاملة وتنتهي…نووياً؟!
صاروخان في شرق المتوسط وسيناتوران في تلة الكابيتول: ألم يظهر للملأ ان انقلاباً حدث في البيت الابيض: جون ماكين وليندسي غراهام حلاّ محل باراك اوباما وجو بايدن…
هل هي لوثة الحرب التي لا تفارق الكاوبوي؟ الرئيس وودرو ويلسون(1913-1921)، صاحب المبادىء الشهيرة وعرّاب عصبة الامم التي يا للغرابة لم تنضم اليها الولايات المتحدة، خاض انتخابات الولاية الثانية على انه الرجل الذي جنّب بلاده الانزلاق الى الحرب العالمية الاولى. ولكن في الشهر الثاني لاعادة انتخابه، وتحديداً في 24 شباط 1917، التقط الانكليز، في عهد لويد جورج وآرثر بلفور، برقية من وزير الخارجية الالماني آرثر زيمرمان الى سفارة بلاده في مكسيكو يقترح فيها اقامة حلف بين اليابان ودول اميركا اللاتينية للانقضاض على الولايات المتحدة.
المؤرخون يقولون ان البرقية كانت مفبركة، والغاية منها استدراج ويلسون الى الحرب، ليضيفوا ان الرئيس الاميركي، وتحت تأثير الداعية الصهيوني البارز لويس برانديس، دخل الحرب. وكان واضحاً من هذا السيناريو ان لويد جورج وآرثر بلفور واللورد ميلنر كانوا يخططون للمشاركة الاميركية وبالصورة التي تؤدي الى احداث انقلاب دراماتيكي في موازين القوى يمكّن الجيش الانكليزي من الوصول الى فلسطين، وبالتالي اعلان وعد بلفور كحلقة اولى من السيناريو الذي اعقبته الحلقات الاخرى.
هذه حقيقة لا تقبل الجدل، تحدث عنها ارنولد توينبي وغيره من مؤرخي الحرب العالمية الاولى. وعندما يكون هناك جون ماكين، العاشق الابدي لاسرائيل، هو من يقود اليهود والعرب الآن( ألا يلاحظ بوضوح التقاطع بين اللوبي اليهودي واللوبي العربي في اروقة الكونغرس وبين جدران البيت الابيض؟)، لا بد من التساؤل عن الغاية الحقيقية من ذلك الدفع نحو الحرب؟
بعضنا يتمتع او يستمتع بكلمة «عدوان» التي تعكس ضعفنا وهلاميتنا على اننا دائماً هدف لعدوان، فيما نحن في الواقع حيال حرب تتوخى ارساء خرائط جديدة ووقائع جديدة ومعادلات جديدة في المنطقة. باهتة جداً، ومهينة جداً، كلمة «عدوان» التي لا تليق البتة بمن يبغي المواجهة. تليق فقط بالذين يهربون وهم يرفعون الرايات البيضاء…
اجل، الهدف تدمير سوريا بعد تدمير العراق. واذ لا تزال هناك محاولات تلو محاولات لاستيعاب مصر او لاغراقها في الازمات الى حد تحطيمها، فإننا قد نكون امام اسرائيل الكبرى، وبما تعنيه الكلمة، بعد تفكيك سوريا الكبرى بل وتحويلها الى حطام. ان رجلاً مثل دوغلاس فايث، ونذكر دوره في البنتاغون إبان عهد جورج دبليو بوش، يعلن انه مزهو جداً، ومغتبط جداً، لان الذئاب التي كانت تحيط باسرائيل، ومن الشمال، بحسب التأويل التوراتي، قد فقدت اسنانها…
وها ان جون كيري يظهر في تلة الكابيتول اكثر جنوناً من ماكين وغراهام اللذين يقولان ان الحرب هي الحرب. لا نصف حرب ولا ربع حرب، اي ان الضربة لن تكون محدودة او ضيقة كما قال اوباما الذي من يصدّق ان تلك القصة الكيميائية، وهو سليل هيروشيما وناكازاكي، قد احدثت لديه هزة اخلاقية لم تظهر حتى لدى جون شتاينبك او لدى نورمان مايلر اللذين تصديا روائياً لآفات القرن، تحديداً لثقافة الضباع التي هي بشكل او بآخر ثقافة الآلهة في اميركا.هذا قبل ان يعود اوباما ويعلن ان هدفه اسقاط النظام وابداله بآخر بإدارة الكوندومينيوم الاسرائيلي – التركي.
هل بات سراً ان الاسرائيليين شددوا، في بداية الازمة، على تفكيك ما دعوه بالترسانة الكيميائية والبيولوجية في سوريا، على ان يتزامن ذلك مع الضغط العسكري لاسقاط النظام واحلال نظام بديل؟
المصادر الاميركية كانت قد تحدثت منذ التسعينات من القرن الفائت عن وجود 600 صاروخ كيميائي او جرثومي لدى سوريا، حتى اذا ما كان هذا صحيحاً، والغاية منه اقامة نوع من التوازن غير المتوازن مع الترسانة النووية الاسرائيلية، فأين هي مصلحة العرب الاشاوس في ازالة الترسانة السورية التي لا يمكن ان تكون ملكاً لنظام بعينه ولا لرجل بعينه…
مرّة اخرى، لا مجال البتة الا للاحساس بهول المشهد في الغوطة الشرقية، وحيث الجثث تحدق فينا جميعاً وتؤكد على همجيتنا. ولكن ألا تظهر التطورات ان ما يحدث شبيه، بصورة او بأخرى، ببرقية زيمرمان، فالهدف هو استدراج اوباما الى الحرب لتدمير سوريا، وبالتالي لتحويلها الى مزرعة اميركية والى مزرعة اسرائيلية على غرار المزارع الاخرى المنتشرة في ارجاء العالم العربي. انظروا الى تلك المعارضة الرثة وقولوا لنا هل هذه هي سوريا؟
كيري خائف على تركيا والاردن واسرائيل من المخزون الكيميائي السوري. ليس خائفاً على العرب( هل البلاط الاردني بلاط عربي؟) من القنابل النووية والنيترونية الاسرائيلية. هذا مع التوقف عند محتوى تقارير معاهد ابحاث ذات صدقية عالمية حول القنابل البيولوجية التي نجحت اسرائيل في تصنيعها والتي يقال انها تثير حتى هلع الابالسة…
ها ان اوباما، ومعه كيري وهايغل وديمبسي الذين ظهروا بوجوه اخرى، امام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، يرضخون لمنطق ماكين وغراهام اللذين لم يقفا ولو مرة واحدة الى جانب العرب، بل انهما مسكونان، وهم يجاهران بذلك، بهيكل سليمان، فمن ذا الذي لا يدرك ما هي الغاية من الحرب الشاملة على سوريا، وبعدما بدا واضحاً ان اللوبي اليهودي الذي طالما سعى لاستدراج اوباما الى الحرب ضد ايران، يدفع باتجاه استدراج ايران و«حزب الله» الى الحرب التي ينبغي ان تكون شاملة. شيء ما يشبه الحرب العالمية التي ما المشكلة اذا ما تم انهاؤها نووياً على غرار ما حدث في الحرب العالمية الثانية، وان كان بول كنيدي قد تساءل ما اذا كانت هناك حاجة فعلاً لقنبلتي هيروشيما وناكازاكي..
الكلام الذي ظهر في الكونغرس يشير الى حرب كاملة تعيد ترتيب الخارطة الاستراتيجية لمنطقة ضائعة وستظل ضائعة الى يوم القيامة، لا الى ضربة تكتيكية او الى «ضربة اخلاقية». عرب ويهود في سلة واحدة. عندما يسدل الستار لن يكون هناك عرب…
الديار